كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

ولم يُذْكَر اللبنُ ولا الماءُ في النص على الربا؛ لأنها لا تتفاضل ولا تتفاوت عادة وغالبا.
ولأنها حين تستعمل كسلعة تجارية لا يكون ذلك إلا فيما فاض عن الضروريات والحاجيات ونزل إلى أنواع الترفيهات.
وبيان ذلك أن اللبن متوفر في مرتبة الضرورة الحاجية في الضرع للمولود إنسانا أو حيوانا، فهذه مرتبة الضرورة، ولا يمكن انقطاعها البتة إلا عند عموم المجاعة.
وهو وضع استثنائي لا أصلي، فلا تجري فيه كثير من الأحكام فضلا عن الربويات.
وأما الماء؛ فلأن الحاجة الضرورية منه متوفرة للحياة الإنسانية والحيوانية على الأرض على مدار الإنسانية والتاريخ، ولا يشترى الماء من السوق إلا في حالات لا يحكم عليها بالضروريات بل التبسط والترفه والتحسينات المعيشية.
وحديث الربويات ذكر الربا في المواد الغذائية التي يقوم عليها الأمن الغذائي، وألحق به الذهب والفضة؛ لأنها أصول القيمة للغذاء وغيره؛ فلا بد منها، وما قام مقامها من نقدٍ كالنقود المعاصرة، فهو مثلها في الحكم، بخلاف المواد الغذائية المذكورة في الحديث والتي يدور عليها الأمن الغذائي، فلا يقوم غيرها مقامها.
فواجب مؤسسة الأمن الغذائي أن توفر المراتب الغذائية الثلاث.
فالضروريات الأربع تامة.
ومن الحاجيات يجب على الدولة توفير البقوليات؛ لأنها أصل في التوسعة على أصل الحياة البشرية، ويليها الخضروات والزيوت والسكريات.
وهذه المرتبة مكملة لمرتبة الضروريات.
وأما المرتبة الثالثة، وهي ما يدور حول التفكه والترفِّه سواء بالفاكهة أو اللحوم أو السكريات، فهي في توفيرها لازمة لزوما كليا؛ لأنها من المصالح الغذائية الهامة، والدولة ما جاءت إلا لخدمة ورعاية المصالح العامة والكبرى، ومن أولها الغذاء؛ فشمل هذه المرتبة؛ ولأنها حامية لمرتبة الضروريات والحاجيات الغذائية.
فإذا أهْمِلت وأخل بها تطرق الإخلال إلى ما فوقها من المراتب.

الصفحة 189