كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

وقوله صحيح؛ لأن الله يقول (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة: 44) وفسرها ابن عباس بكفر دون كفر (¬1)، وهو يؤيد تفسير النووي، فهي من الكفر البواح على هذا، ولأن البرهان على الكفر إنما يكون بالنص، وهذا منصوص عليه، فكل حاكم لم يحكم بما أنزل الله وغلب عليه ذلك فواجب خلعه ولو بالسيف.
وقلنا وغلب عليه؛ لأن الغالب معتبر بلا خلاف في الشرع؛ ولأن القلة يعسر ضبطها، ويمكن علاجها بخلاف الغالب.
ولو شرع قوانين على خلاف صريح أصول الشريعة، فهو -كذلك- واجب خلعه ولو بالقوة بالشروط المعتبرة إن لم يتراجع عن ذلك.
ويقبل منه تراجعه وتعد توبة له؛ لأنه قد يكون ذلك جهلا.
وإفراد الله بالحاكمية من القواطع ثبوتا ودلالة (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ) (يوسف: 40). وهو جزء من العبادة والإيمان (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء: 65).
ولأن من اختص بالخلق اختص بالأمر (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) (الأعراف: 54).
ويكفر أو يفسق أو يظلم من حكم بغير ما أنزل الله بالنص (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة: 44)، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة: 45)، (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (المائدة: 47).
وغير حكم الله تحت أي مسمى بقانون أو غير قانون هي أهواء (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (المائدة: 49)، فحَرُمَ إدخال بعضٍ مما يناقض الشرع.
وكل ما ناقض حكم الشريعة فهو جاهلية (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة: 50).
¬_________
(¬1) - انظر تفسير ابن كثير والطبري عند تفسير قوله تعالى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة: 44)، وسيأتي.

الصفحة 203