كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

وجعل المعرض عن حكم الله ورسوله في الكتاب والسنة متحاكما إلى الطاغوت زاعماً للإيمان لا مؤمناً (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا) (النساء: 60).
ولهذه الأدلة القطعية ثبوتا ودلالة، ففرضٌ أن ينص في عقد الدستور على أن الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع، وأنها مصدر جميع القوانين، ولا يجوز جعل الشريعة أحد مصادر التشريع أو المصدر الرئيس؛ لأن الله جعل الشريعة تامة (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) (المائدة: 3).
فإدخال شيء معها مع كونه منصوصا على حكمه في الشرع بالنص أو القاعدة لا بد أن يكون مناقضا لذلك النص؛ وإلا فهو عبث.
والردة عن دين الإسلام إذا أذن فيها الحاكم فقد أذن بأكبر الجرائم عند الله تحريما بنصوص قطعية الثبوت والدلالة، وهو: الكفر بالله ورسله وكتبه، سواء كان كفرا بالرسالات، أو بعضها لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً* أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا) (النساء: 150 - 151).
وهذا من الكفر البواح الذي عندنا فيه من الله برهان، وفرض -عندئذ- خلع الحاكم بالشروط المعتبرة؛ لأن هذه من الجرائم السيادية والدستورية الكبرى لدولة الإسلام التي لا تجوز باسم الحرية وغيرها كالخيانة العظمى والجرائم السيادية.
ومباشرة خلعه خاضعة لشروط التكليف في تغيير المنكر.
ولأن شرط العقد الدستوري في الولاية قوله تعالى (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج: 41).
وردة الحاكم، أو إذنه بالردة نقض لهذا الشرط، ونقض الشرط المعتبر في العقد يبطل العقد، ولأنه يحرم قبول ردة مرتد عن الإسلام بعموم النص (فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ) أي: لن يقبل منه لا رسميا ولا شعبيا ولا اجتماعيا، لأن حذف المتعلقات يدل على العموم (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ

الصفحة 204