كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)
وأقصد بفقه العصر: التأصيل والتقعيد والتكييف للمسائل الواقعة وإعطائها حكمها مستنبطا ذلك من النصوص ودلالاتها ومقاصد الشرع وقواعد الشريعة وأصولها العامة والفقهية.
فلتنظر إلى محاسنه بأنها نعمة من الله، وإلى ما اطلعت عليه مما تنقده فأجر عليه لسان العذر والاعتذار، ويكفي أني قد فتحت بابا كان مقفلا دعت إليه المجامع الفقهية في توصياتها وقراراتها والهيئات وكبار علماء العصر، ونظري صواب يحتمل الخطأ والزلل عادة ابن آدم وحسبي أني لا أعلم أني خالفت نصا من القرآن أو صحيح السنة أو مقاصد وقواعد الشرع القاطعة، وكان الأمر في تأليفه جار على تكرار النظر والاجتهاد في مقصودات النصوص ومدلولاتها وعللها وحكمها ودلالات قواعد الشريعة ومقاصدها قاصدا ما يرضي الله ويوافق مراده فيما أنزل سبحانه من قوله تعالى (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (الحج: 78). وقوله (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الزمر: 55)، مع أن ما أنزله الله كله حسن، فأمره باتباع الأحسن دليل على بذل الوسع في معرفته، ولا بد أن يكون هذا الأحسن نسبياً باعتبار واقع المكلف وحاله ومآله وقوله تعالى (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) (الزمر: 18) مثله أو قريب منه.
* كان بعض المستنبطين في هذا العصر يستفيدون مما عالجه القانون الوضعي الغربي للمسائل، ثم يعرضونه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم تبدأ عمليات التخريج والتكييف لإصدار حكم مناسب، أما هذا الكتاب فنرجو أن يستفيد منه القانون الوضعي، وإذا شرحناه وفصلناه كمشروع تالٍ إن شاء الله، وإذا فصلنا كل فقه على حياله بإصدار مناسب كمشروع يتلوه، وإذا ترجم للغات عديدة كمشروع ثالث، فسيكون بإذن الله مرجعا يستفيد منه القانون في العالم، والحياة الإنسانية، لا لشيء إلا لأنه مستنبط من قانون الكون والحياة المعصوم وهو القرآن والسنة الصحيحة، ومقاصدهما وقواعدهما وأصولهما.
أقول هذا ليعلم العالم ما عندنا من الرحمة الرسالية الخاتمة القائمة على العدل والإحسان والاعتدال والتوسط والمساواة والحريات وإعطاء كل ذي حق حقه ومحاربة الظلم والتخلف والبغي والعدوان والغلو والتطرف (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107)، وأعتبر خدمة الإنسانية لإفادتهم بهذا عبادة وفريضة.
ولا أقدمه ككتاب لا يقبل الخطأ؛ لأن هذا غير ممكن لإنسان، بل أقدمه للناس كمقدمة لدليل الحياة الطيبة التي نرجوها للبشرية.
* لقد التزمت في كتابي هذا إلزام الأئمة الأربعة ونصيحتهم وتوصيتهم لي ولنا جميعا، وهي أن لا نقلدهم، بل نأخذ من حيث أخذوا، فعملت بهذا الأمر وبهذه النصيحة الناصحة؛ لأن الدين النصيحة، ولأن العمل
الصفحة 21
1137