كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

7 - ولاية السفهاء:
ويحرم تولية السفيه لأن تصرفات الولاة منوطة بالمصلحة العامة، والسفيه لا يتعامل بالنظر المصلحي وقد حرم الله إيتاء المال إليهم (وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء: 5).
والولاية في القياس الأولوي ممنوعة على السفيه؛ لأنها تصرفٌ في الشئون العامة بما فيها الأموال بمباشرة أو بالتسبب، فهي أولى بالمنع من الحجر على السفيه في ماله الخاص.

8 - العطايا المالية لشراء الذمم:
ولا يجوز شراء الذمم بالأموال ابتغاء كسب أنصار للولاية؛ لأنه يفكك الشعب ويجند بعضه على بعض، ويرسخ سلطان أشخاص الولاة لا سلطان الدولة الخادمة للشعب.
ويترتب عليه ظهور صراع بين الولاة على كسب الموالين والأتباع والأنصار، ويظهر منه صراع آخر لوكلائهم من الوجاهات ومشايخ القبيلة والسماسرة مما ينتج على العادة صراعا بين فئات الشعب؛ لأن كل جهة تريد أن تحقق السبق لتأطير مراكز القوة والنفوذ وأتباعهم لأشخاص الولاة، ويكثر دفع الأموال ظنا أن من دفع أكثر كسب الولاء والأنصار.
وهذا السرف ينعكس على المال العام وإهدار الخزينة من النافذين، ويظهر الفقر.
وتعكف الولاة على ذلك عازفة عن إدارة الدولة للمصلحة العامة للشعب، فتتدهور الدولة اقتصاديا تدهورا يؤدي إلى ظهور الفساد المالي والإداري، وخراب الذمم، وظهور الرشوة والمحسوبيات، وتمكِّن قوى النفوذ من ظلم الناس، وتعطيل أحكام النظام والقانون، وتدهور التعليم، وضعف القوة العسكرية.
ويؤذن ذلك بنهايات الدول وتعرضها إلى الانهيار، وسلب إرادتها وخيراتها وأراضيها من الدول المهيمنة.
فلذلك نفتي بحرمة سياسة شراء الذمم بالمال لكسب الولاء للولاة، وأقل علة وأقربها كونه رشوة وملعوناً آخذها ومعطيها بالنص.
فضلا عن ترتب المفاسد الجمة العامة واستنزاف المال العام في غير مقاصد الشرع، وتعصيب

الصفحة 212