كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

وفرض كفائي على الشعب إن سمع من حاكمه أو أحد ولاته ذلك مقاضاته؛ لأنه دفع لمنكر عام، وحفظ لأعراض الخلق، وتأديب للحاكم من التمادي في ذلك؛ لأن تركه يوصله إلى درجة هابطة من الاستخفاف بشعبه (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) (الزخرف: 54).
ولو أن خليفة راشدا من الخلفاء الأربعة سب شعبه بذلك وذمه بمثل هذه الألفاظ لمنعه الصحابة من ذلك لحرمة السب الفردي؛ والجماعي أشد.
وقد جاء عن عمر «إني لم أسلطكم على دماء المسلمين، ولا على أبشارهم، ولا على أعراضهم، ولا على أموالهم» (¬1).
وفي النص (وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ) (الحجرات: 11).
وقال تعالى (لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ) (الحجرات: 11).
وقال سبحانه (وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ) (الحجرات: 11).
فحرم اللمز والسخرية والتنابز بأنواعه.
وإذا سكت الشعب على سفه وشتم حكامه له استذلهم، واستخف بهم شأنه شأن تعامل الأفراد في ذلك عادة، وهو من البغي والعدوان، وهو محرم، وفرضٌ دفعه (وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ) (الشورى: 39).
فواجب على الشعب الانتصار من هذا البغي (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) (الشورى: 40)، (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (البقرة: 194).
وهذه عمومات نصوص أصول.
وشرار الولاة من يلعن الشعب ويشتمه؛ للنص في الحديث «شرار أئمتكم الذين تلعنونهم
¬_________
(¬1) - أخرجه البيهقي في شعب الإيمان برقم 7009 عن عمر رضي الله عنه كان إذا بعث عمالا اشترط عليهم: «ألا تركبوا برذونا، ولا تأكلوا نقيا، ولا تلبسوا رقيقا، ولا تغلقوا أبوابكم دون حوائج الناس، فإن فعلتم شيئا من ذلك فقد حلت بكم العقوبة، ثم يشيعهم»، فإذا أراد أن يرجع قال «إني لم أسلطكم على دماء المسلمين، ولا على أبشارهم، ولا على أعراضهم، ولا على أموالهم، ولكني بعثتكم لتقيموا فيهم الصلاة، وتقسموا فيهم فيئهم، وتحكموا بينهم بالعدل، فإن أشكل عليكم شيء فارفعوه إلي، ألا ولا تضربوا العرب فتذلوها، ولا تحمدوها فتفتنوها». وسنده صحيح.

الصفحة 214