كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

والتعصب لفئة من دون الشعب، وهي سياسة ودعوة حذر منها الشرع وجعلها في صنف الدعوات الجاهلية، فمن «يدعو لعصبة وينصر عصبة فهو من جثى جهنم» (¬1).
فحرم الشرع مجرد الدعوة إلى العصبة فضلا عن اتخاذها سياسة يعامل بها الحكام الشعب.
وسبيلها مليء بالمفاسد، والأهواء، والشهوات، والمطامع.
وتبدأ بسعي الحاكم لتعيين من يطيعه طاعة مطلقة في الباطل والشر والأهواء فضلا عن أضدادها.
ولا بد -عادة- مقابل الطاعة المطلقة أن يلتزم الحاكم بحمايتهم في مناصبهم، وحمايتهم عن المساءلة والمقاضاة، ودعمهم بما يديرون به ذلك، ومن هنا تبدأ المفاسد والمظالم والشرور.
وهذا كله من المحرمات الواضحة؛ لأنها تعاون على الإثم والعدوان المحرم بالنص (وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة: 2).
ويستغل الحاكم سلطاته التي منحها له الشعب في غير مقصود العقد له، فيخرج بذلك عن الالتزام بالعقد الدستوري والنظام والقانون، وذلك لتقوية نفسه ودعم أفراد عصابته ونفوذهم، فيصدر بحكم سلطاته التوجيهات الخادمة للعصابة إلى أي مؤسسة للدولة، أمنية أو عسكرية أو قضائية أو مالية أو خدمية.
وإذا عُرْقِلَ التوجيه في إحدى مؤسسات الدولة نظرا لمخالفته النظام والقانون: فإن كانت الدولة قوية وسيادة القانون نافذة وتوقف أمره لذلك سعى حالا أو مآلا فسادا في الأرض بالكيد والتآمر على تلك الجهة، فيعزل أو يوقف أو يضعف الأكفاء والعدول الوطنيين ويستبدلهم بمن ليس كذلك.
ويظهر حينئذ الفساد الوظيفي، والإداري، والمالي لقلة الأمناء والكفاءات.
وتمرر الصفقات المجحفة بالمال العام والاقتصاد الوطني، والمشاريع الوهمية، والنثريات التي تصل إلى حد العبث والسفه والتبذير بالثروة.
¬_________
(¬1) - تقدم تخريجه.

الصفحة 216