كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

فيُتدخَّل بها في تعيين حكام الدولة رؤساء ووزراء بما يضمن استمرار مصالح قوى ودول أخرى، ولا ينظر إلى مصلحة الشعب والدولة، وهذا من أبطل الأمور في الشرع وضوحا؛ لأن عقد الولاية مشروطٌ برعاية المصلحة العامة للشعب، والارتهان على العقد يعود على المصلحة العامة بالبطلان، فهو باطل محرم.
ولا يقال إن عودته بالبطلان على المصلحة العامة، إنما يكون إذا كان ذلك الارتهان مؤثرا في كامل مصالح الشعب بالضرر، أما جزئيا فلا.
فالجواب أنه لا ارتهان إلا في مؤثر على السيادة العليا للدولة، وخصلة واحدة من ذلك كافية في التحريم.
ومن مفاسده كذلك أنه قد تعقد صفقات وعقود ضارة بالدولة والشعب يتوصل بها إلى العبث بالثروة، أو تجميد الاستفادة منها، كتعطيل موانئ استراتيجية، أو مطارات ومعابر ومضايق هامة، أو الحيلولة دون استخراج ثرواتها النفطية أو الغازية أو المعدنية من الذهب وغيره بشكل كامل أو نسبة غالبة أو عالية.
ويمكن عند الارتهان أن يُغَذَّى ويُقَوَّى الصراع بأنواعه: الطائفي، والقبلي، والمناطقي، والديني، والسياسي؛ نظراً لقدرة تلك الدول على التواصل مع القوى ولو بمعلوم دولتهم، مما يتيح وضعا غير مستقر ولا آمن ولا قانوني مرشحاً للانهيار والدخول في حروب وتشظي الدولة ووطنها.
لذلك فالأصل الشرعي والسياسي الوطني: المنع بصرامة عما يؤدي إلى تدخل القوى والدول في شئون الدولة.
ويحرم على القوى في الداخل أن تقوي النفوذ الخارجي في البلد؛ لانعكاس ذلك بالضرر، وأدائه إلى ضعف دولتهم وسيادتهم، وتأهيل الوضع حينئذ إلى ظهور الفساد والمشاكل والقلاقل والفتن.
فإن أخذت على ذلك أموالاً ومصالح جهاتٌ في الداخل من القوى الخارجية على توسيع نفوذها وخدمة مصالحها، فهو مال محرم وسحت؛ لأنه أجرة فاسدة على ما يؤدي إلى الفساد في الأرض.

الصفحة 220