كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

وإيجاد وإعداد المؤسسة الأمنية والعسكرية فرض عين على الدولة (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال: 60).
ويجب على الولاة عموما وعلى رأس الدولة خصوصا تسخير عمل المؤسسة العسكرية والأمنية لما وضع له من حماية الشعب والوطن؛ لأن الوظيفة في هذه المؤسسة هي إجارة من مال الشعب لعمل معين هو حماية الشعب والوطن بأجرة معينة منصوص عليها وعلى نوع العمل العسكري والأمني ومهماته.
وفي حال انحراف النظام وولاته -خاصة رئيس الدولة- عن واجباتهم في خدمة مصالح الشعب؛ تكون محاولة السيطرة على المؤسسة الأمنية والعسكرية في رأس أهداف الحاكم المستبد، بدءاً بإجراءات تدريجية لتعيين خاصته ممن يرضى، فتنحرف مهمة الجيش والأمن إلى: خدمة أمن الفرد الحاكم وأعوانه، واستعماله في قمع الشعب وثوراته لاستعادة مؤسساته إلى وضعها المتعاقد عليه دستوريا وقانونيا.
وقد يشكل الحاكم ولا بد إن استطاع قوات خاصة به تضاهي القوات المسلحة، وتفوقها مآلا في قدراتها وإمكاناتها، ويديرها مباشرة، ويضعف -حينئذ- القوات العسكرية العامة الوطنية.
وقد يدخلها في تصفية صراعات داخلية، وحروب تقضي على قدراتها وقواتها وقاداتها الأكفاء والوطنيين من الذين يمكن أن يكونوا حائلا دون شهواته ونزواته وتصرفاته المستبدة في خصخصة المؤسسة العسكرية.
وتظهر جراء ذلك مفاسد ومظالم في القوات المسلحة والأمن، وتحتكر الكليات العسكرية والترقيات والأعمال والمناصب الهامة لطائفة أو مناطق موالية للنظام.
وقد يعين في تلك الدوائر أشخاصا يتحكمون في هذه الأمور ويعيثون في الأرض فسادا، ويحمون الموالين لهم من المفسدين في ظلمهم ونهبهم للمال العام، أو اعتدائهم على أموال وأعراض ودماء الناس، فيحرمون كل معارض أو مخالف من الشعب للنظام الفاسد من حقه في الوظيفة أو الترقية أو المنح، وكم يعتدى على أراضٍ وعقارات وتجارات وأشخاص

الصفحة 226