كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)
الفقه الوظيفي
الأصل جواز الإجارة إلا في معصية (¬1)، ويجوز فسخها عند الضرر (¬2)، ويجوز للمستأجر تأجير ما استأجره إن جرى العرف على ذلك كما أفتى به جماعة من العلماء (¬3)؛ لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا، ولأن ملك المنفعة يقتضي جواز بيعها في الأصل إلا إن صُرِّحَ بالمنع في العقد أو العرف؛ لأن العادة محكمة.
ولأن الأصل عدم المانع الشرعي لذلك وما لم يمنع منه الشرع شملته الإباحة؛ لعموم العفو عما سكت الشرع عنه (عَفَا اللَّهُ عَنْهَا) (المائدة: 101).
وأما تأجير المحل بتجارته فلا يجوز، وهو ما يسمى بـ «التقبيل»، وهو: أن يقبله طرف لآخر مع ما فيه بأجر معلوم مع ضمان رأس ماله.
فإن كان ما فيه مواد عينية للتبادل التجاري فلا يصح، وإن كانت مواد ثابتة كآلات منتجة فلا مانع لصحة الإيجار فيها.
وعلة المنع: أن صورة التقبل للمحلات بما فيها هي المضاربة الشرعية (¬4)، والمضاربة لا يصح فيها دفع أجرة معلومة لصاحب المال في الأصل (¬5).
¬_________
(¬1) - قولنا «الأصل جواز الإجارة» دليله من الكتاب والسنة والإجماع، وهي من الحاجيات المقاصدية في الشرع، وما كان كذلك فالشرع قاصد إقامته، وإنما افتتحنا بها الفقه الوظيفي مع ذكر طرف من مشهورات مسائلها؛ لأنها كالأصل للفقه الوظيفي، فناسب تقديمها بين يديه.
(¬2) - قولنا «ويجوز فسخها عند الضرر» علته أن الضرر مدفوع، والعقود لا تتضمن الضرر، والضرر واجب دفعه في الشرع، خاصة الفاحش بلا نزاع، وهو ما لا يتحمل عادة، ويعود على أصل المقصود من العقد بالبطلان، وهو ما جرى عليه الأحناف.
(¬3) - قولنا «كما أفتى به جماعة من العلماء» هو قول الشافعي ومالك وأحمد في أصح الأقوال، والحنفية بشروط، راجع المغني لابن قدامة مع الشرح الكبير (6/ 53)، وابن عابدين -رد المحتار (5/ 56)، وشرح الحطاب على خليل (5/ 417) ط/ النجاح، والمهذب في فقه الشافعية (1/ 403).
(¬4) - قولنا «هي المضاربة»؛ لأن المضاربة أصلها مال من شخص وعمل فيه من آخر.
(¬5) - قولنا «في الأصل»، هو احتراز عن الجواز في بعض الصور، ويمكن أن نضبطها بقولنا: هي كل صورة لا تعود على أصل العقد في المضاربة بالضرر على العامل أو رب المال.
الصفحة 36
1137