كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

حق عام لكل فرد في الشعب، وما الحاكم سوى وكيل والشعب أصيل.
وقد حققنا في اجتهادنا أن ثروات الدولة الباطنة والظاهرة، الجوية والبحرية والبرية تصرف مصرف الفيء لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وكل فرد في الأمة بدلالة النصوص في ذلك، وقد بسطناه في محله (¬1).
فمن حق كل مواطن في الدولة مؤهل بشروطه حسب الاحتياج أن يتوظف في مال الدولة في الأصل؛ لأن له ملك شائع فيه، ولا تأثير للحدود السياسية المحدثة الآن بين دول المسلمين في هذا الحق؛ لأنها ليست مانعا يعتبره الشرع في منع الحق المفروض شرعا من المال العام في الدولة المسلمة ككل.
وإنما تؤثر التقاسيم الجغرافية والحدودية في تقديم الأقرب فالأقرب من موضع سبب الحق، ولهذا يقدم ذي القربى الفقير والجار الفقير في الزكاة على الفقير الأبعد؛ إذ فيه خدمة للمقصد السادس الضروري للشريعة في اجتهادنا وهو حفظ الجماعة العامة؛ إذ صرف الحقوق عن مستحقها الأقرب إلى الأبعد يورث الضغينة والبغضاء ويؤثر في تفكيك المجتمع.
وما أثر في تفكيك المجتمع الأخص أثر في الجماعة العامة، وهذه مفسدة، والمفاسد واجبة الدفع.
فيجوز تقديم أهل البلد الجغرافي في التوظيف على غيرهم من المواطنين في دول الإسلام الأخرى، ولكن لا يجوز اختصاص أهل البلد بالثروات أو إدارتها بالوظيفة التعاقدية ومنع غيرهم من مواطني دول الإسلام أو تعذره أو تعسيره؛ لأن التعذر والتعسير كالمنع؛ لأدائه إلى ما يؤدي إليه. وسائر الثروات الأربعة عشر في الدولة حق مشترك لعموم الشعب (¬2).
وإن كان أهل البلد أخص في التقديم لا في الاستئثار والمنع لغيرهم من مواطني دول الإسلام.
والوظيفة إما عامة في مرافق الدولة، أو خاصة في غيرها من المؤسسات والجهات: أهلية شخصية، أو أهلية اعتبارية كشركة.
¬_________
(¬1) - بسطنا هذا في «فقه الأموال والاقتصاد المعاصر».
(¬2) - انظر بتوسع وتفصيل لهذه الثروات وأحكامها «فقه الأموال والاقتصاد المعاصر».

الصفحة 41