كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

والوظيفة إجارة، وهي قائمة على الأمانة التامة في أداء ما استوجبه العقد لفظا أو عرفا موافقا للشرع، أو كلاهما، سواء كان العقد مكتوباً أو ملفوظاً (¬1).
وإذا أعلنت الدولة عن وظائف وجب عليها شرط الكفء، وهو القوي الأمين لعموم (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) (النساء: 58).
والأمر للوجوب وأهل الأمانة هنا هو القوي الأمين (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) (القصص: 26)، (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف: 55).
والقوة في العمل بحسبه، والمؤهل بشهادات ونحوها (¬2) هو القوي في بابه.
وتعرف الأمانة بالتزكية من جهة موثوقة. وهي غير الوساطة المذمومة؛ لأنها -أي التزكية- نوع شهادة، وهي إخبار مطلوب لأجنبي عن أجنبي بما فيه (¬3)، أو نقول هي إخبار عن أجنبي بما فيه على وجه الشهادة المطلقة بأمر متعلق بالعمل لجهة تطلبه (¬4).
وقولنا «نوع شهادة»، «الشهادة المطلقة» للاحتراز عن الشهادة القضائية ويحرم الكتمان لأنها نوع من الشهادة في لسان الشرع.
والشهادة واجبة الأداء عند الطلب ويحرم كتمها (وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (البقرة: 283)، ولأن كتمان قول الحق مع الحاجة إليه محرم؛
¬_________
(¬1) - قولنا «أو كلاهما»: أي لفظا وعرفا.
(¬2) - قولنا «ونحوها» يشمل الخبرات والإجازات وكل ما يوضع معيارا لمعرفة الشخص بالعمل من اختبارات قبول وغير ذلك.
(¬3) - وقولنا «شهادة مطلوبة» أي تطلبه الجهات المراد التوظيف فيها، وهذا الطلب لكل من تقدم للتوظيف أصبح عرفا كثيرا؛ لذلك فالتزكية لأهلها يحتاجها الشخص لينتفع بها ويتضرر عند كتمها، فحرم كتمانها.
(¬4) - قولنا «إخبار» لأن الخبر أصل الشهادة، وقولنا «لأجنبي» خرج به الإخبار عن النفس، فهي تزكية وتذم في مواطن، ولا تذم إن تعلقت بإخبار بحقيقة الأمر لا لرياء كما قال يوسف عن نفسه معرفا في آيات كثيرة، وقولنا «بأمر متعلق بالعمل» لأن هذا هو مقصود التزكية، فلا يتعدى لغيره، وقولنا «تطلبه» لأنه بلا طلب الأصل ذمه؛ لحديث «يشهدون ولا يستشهدون» وإنما جاز هنا ولو بلا طلب لعموم طلبه عرفا، فقام مقام الطلب حقيقة؛ لكثرة الاحتياج إليه حال التقدم للوظيفة.

الصفحة 42