كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

في العقد، أو على العموم وإن لم يكن منصوصاً؛ لأن العقد يتضمن كل ما يتعلق بمصلحة العمل مما جرى عليه العرف في أمثاله بالخصوص والعموم.
ومن ترتب على مخالفته ضرر معتبر في العمل ضمن في الجملة.
ومن خالف خصوص أو عموم العقد لفظا أو عرفا بغياب، أو إهمال، أو نحوه، فلا مانع من خصمٍ من راتبه مقابل ذلك بشرط موافقة الخصم للائحة الداخلية؛ لأنها مفسرة للعقد وجزء من الالتزام به، وما فسّر العقد شمله الأمر بالوفاء به؛ لأنه جزء معتبر مقصود.
فإن لم تكن هناك لائحة اتفق مجلس الإدارة بالتشاور على تقدير ذلك بالعدل لا ضرر ولا ضرار (¬1)، فإن لم يكن مجلس نُظِرَ إلى تغريم مثله عرفا فغرم مثله.
¬_________
(¬1) - قولنا «لا ضرر ولا ضرار» هذا أصل من أصول الإسلام الكبرى وقاعدة من قواعد الفقه الإجماعية، ومعنى مقصود شرعا بلا نزاع، والأدلة عليه بالغة درجة القطع، فمنها (وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) (الطلاق: 6)، ومنها (وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (البقرة: 231)، فجعل الإضرار اعتداء وفاعله ظالما لنفسه معتديا على حدود الله. ومنها (وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ) (البقرة: 282) فجعل الإضرار فسقا. ومنها (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا) (التوبة: 107) فالمسجد الذي بني ضرارا بالغير محرم. ومنه (لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ) (البقرة: 233)، ومنها (غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ) (النساء: 12).
قلت: والحديث حسن صحيح أخرجه مالك بسند صحيح من مرسل المازني عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار». وله شاهد من حديث عبادة عند بن ماجة بسند حسن في الشواهد برقم 2340 قال حدثنا عبدربه بن خالد النميري أبو المغلس، حدثنا فضيل بن سليمان، حدثنا موسى بن عقبة، حدثنا إسحاق بن يحيى بن الوليد، عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن لا ضرر ولا ضرار.

قلت هذا سند حسن وإسحاق قال البخاري أحاديثه معروفة إلا أنه لم يلق عبادة، قلت فهذه علة لكنه صالح في الشواهد قطعا. ومن هذه الطريق أخرجه أحمد برقم 22830، وله شاهد آخر عنده وعند أحمد برقم 2867 عن ابن عباس ورجاله رجال الشيخين إلا جابرا الجعفي وهو ضعيف بمرة عند الجمهور إلا أن أبا حاتم الرازي قال يكتب حديثه على الاعتبار ولا يحتج به، وقال ابن مهدي عن سفيان ما رأيت أورع في الحديث منه وقال ابن علية عن شعبة جابر صدوق في الحديث وقال يحيى بن أبي بكير عن شعبة كان جابر إذا قال حدثنا وسمعت فهو من أوثق الناس وقال ابن أبي بكير أيضا عن زهير بن معاوية كان إذا قال سمعت أو سألت فهو من أصدق الناس وقال وكيع مهما شككتم في شيء فلا تشكوا في أن جابرا ثقة ... وقال ابن عدي له حديث صالح وشعبة أقل رواية عنه من الثوري وقد احتمله الناس وعامة ما قذفوه به أنه كان يؤمن بالرجعة وهو مع هذا إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق (التهذيب (2/ 42)). =

الصفحة 45