كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)
فاستثنى الله شعراء أهل الإيمان (¬1) الذين ينتصرون بالشعر للدين والحق؛ فهؤلاء لا ذم فيهم، بل كان صلى الله عليه وسلم ينصب منبرا لحسان ويقول أهجهم وروح القدس معك.
وكان صلى الله عليه وسلم يقول: «إنها أشد عليهم من وقع النبل» (¬2).
¬_________
(¬1) - قولنا «فاستثنى الله شعراء أهل الإيمان» .. أي بالآية التي في سورة الشعراء، أما ما ذكرناه من نصب المنبر لحسان فتقدم تخريجه في سنن أبي داود بسند حسن، كما أخرج البخاري برقم 3212 عن سعيد بن المسيب قال مر عمر في المسجد وحسان ينشد فقال: كنت أنشد فيه وفيه من هو خير منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أجب عني اللهم أيده بروح القدس قال نعم. وأخرجه البخاري برقم 3213 ومسلم برقم 6542 ولفظه عن البراء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان اهجهم، أو هاجهم- وجبريل معك.
(¬2) - أخرجه مسلم برقم 6550 عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «اهجوا قريشا فإنه أشد عليها من رشق بالنبل». فأرسل إلى ابن رواحة فقال «اهجهم». فهجاهم فلم يرض فأرسل إلى كعب بن مالك ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه قال حسان قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه فجعل يحركه فقال والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها -وإن لي فيهم نسبا- حتى يلخص لك نسبى». فأتاه حسان ثم رجع فقال يا رسول الله قد لخص لي نسبك والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين. قالت عائشة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان «إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله». وقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «هجاهم حسان فشفى واشتفى».
قال حسان:
هجوت محمدا فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
هجوت محمدا برا تقيا ... رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرض محمد منكم وقاء
ثكلت بنيتي إن لم تروها ... تثير النقع من كنفى كداء
يبارين الأعنة مصعدات ... على أكتافها الأسل الظماء
تظل جيادنا متمطرات ... تلطمهن بالخمر النساء
فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم ... يعز الله فيه من يشاء
وقال الله قد أرسلت عبدا ... يقول الحق ليس به خفاء
وقال الله قد يسرت جندا ... هم الأنصار عرضتها اللقاء
لنا في كل يوم من معد ... سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منكم ... ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء
الصفحة 556
1137