كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

أما إن كان عن الزوجات، والوفاء، ومكارم الأخلاق؛ فلا مانع منه.
فإن صاحبه الموسيقى والمعازف، فهاهنا حمي وطيس هذه المسألة قديما وحديثا.
والذي يترجح عندي أنه لا يوجد نص صحيح صريح مجمع عليه خالٍ عن المعارضة دل على المسألة؛ لأن حديث «يستحلون الحر والحرير والمعازف» (¬1)،
مع صحة سنده مختلفةٌ ألفاظه؛ مما يؤثر على الاستنباط فمنها: «يستحلون الحر والحرير يشربون الخمر تعزف على رؤوسهم القيان» (¬2).
فدل على صورة أخرى في هذه الرواية، وهي: شرب الخمر مع وجود معازف بالقينات وهن النساء المغنيات.
¬_________
(¬1) - حديث المعازف علقه البخاري برقم 5590 عن شيخه هشام بن عمار قائلا: وقال هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، حدثنا عطية بن قيس الكلابي، حدثنا عبدالرحمن بن غنم الأشعري، قال: حدثني أبو عامر، أو أبو مالك- الأشعري والله ما كذبني سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم، يعني الفقير- لحاجة فيقولوا ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة. قلت: ووصله أبو داود برقم 4041 من طريق عبدالوهاب بن نجدة قال: حدثنا بشر بن بكر عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس قال سمعت عبدالرحمن بن غنم الأشعري قال حدثني أبو عامر أو أبو مالك -والله يمين أخرى ما كذبني- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الخز والحرير». وذكر كلاما قال «يمسخ منهم آخرون قردة وخنازير إلى يوم القيامة». قال أبو داود وعشرون نفسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أكثر لبسوا الخز منهم أنس والبراء بن عازب. قلت: وهو إسناد صحيح إلا أن زيادة المعازف غير مذكورة. وهذا اختلاف يضر. ووصله ابن حبان من طريق هشام بن عمار برقم 6754. قلت: وفيه اختلاف آخر أخرجه ابن حبان فقد خالف مالك بن أبي مريم عطية بن قيس عن عبدالرحمن بن غنم، فقال: حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يشرب ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات، يخسف الله بهم الأرض. قلت: ومالك ابن أبي مريم ذكره ابن حبان في الثقات وفي التقريب مقبول .. وأما عطية بن قيس فلم يخرج له البخاري سوى هذا الموضع في الشواهد، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يوثقه أحد غير الحافظ ابن حجر في التقريب. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. قلت: وهذا اختلاف يضر في الاستدلال، فمرة يقول «والمعازف» ومرة برواية الثقات من دون هذه الزيادة، ومرة يجعلونها أمرا آخر، وهو وجود قينات تعزف مع شرب الخمر والمجون، فعلم السر في عدم إخراج البخاري للحديث، بل ولا حتى الحاكم في المستدرك.
(¬2) - تقدم قبل قليل.

الصفحة 561