كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

ومن أتلف شيئا من أثاث وغيره بتفريط ضمنه.
ويحرم الغش بكافة صوره لعموم «من غش فليس منا» (¬1)، ومن أقبحه انتحال شخصية الغير، والاختبار عنه، والغشاش كذاب خائن، ومن أعطاه شهادة عالماً بحاله فهو شاهد زور (¬2) خائن للأمانة كذاب، وكذلك من سكت تواطؤاً أو عاون؛ لقوله تعالى (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ* كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة: 78 - 79).
فإن أخذ عليه مالا كثرت الذنوب، وهو رشوة (¬3)، ويجب خلع وفصل من يثبت تهاونه وتمريره وتعاونه على الغش من مدراء ومسئولين، وموجهين، أو مدرسين؛ لأنه ثبت فسقه بالخيانة، وهذه ولاية أمانة.
ويحقق مع المتورط قبل ذلك؛ لأن ذلك من تمام العدل والله يأمر بالعدل والإحسان (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) (النحل: 90)، فإن تعهد بعدم العود فهل يُقبل منه؛ لأن من تاب تاب الله عليه؟
¬_________
(¬1) - قولنا: لعموم «من غش .. »، الحديث في صحيح مسلم برقم 294، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من حمل علينا السلاح فليس منا ومن غشنا فليس منا». وفي رواية لمسلم «من غش فليس مني».
(¬2) - قولنا «فهو شاهد زور» وهي من أكبر الكبائر للحديث الذي أخرجه البخاري برقم 5976 ومسلم برقم 269، واللفظ له، عن عبدالرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر -ثلاثا- الإشراك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور أو قول الزور». وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متكئا فجلس فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت. ولقوله تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج: 30).
(¬3) - قولنا «وهو رشوة» لأنه دفع مال لآخر في باطل طلبا لموافقته عليه، وفي النص «لعن الله الراشي والمرتشي»، وهذا الحديث حسن صحيح، أخرجه أبو داود برقم 3582 بسند حسن عن عبدالله بن عمر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي. وإنما حسناه لأجل الحارث بن عبدالرحمن، وهو صدوق كما قال الحافظ وغيره. ورواه الترمذي برقم 1337، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه كذلك بسند حسن من حديث أبي هريرة، وإنما حسناه لأجل عمر بن أبي سلمة فإنه صدوق، ولأجل هذين الحديثين قال الترمذي: حسن صحيح، فجمع بين الوصفين وهما الحُسْن باعتبار السند وبين الصحة باعتبار الحديثين فيكون حسنا لذاته صحيحا لغيره كما هو معلوم في هذا الفن، وقد اكتفى الألباني بقوله: صحيح. وقول الترمذي أجمع.

الصفحة 58