كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

وأما ما بين الأول والآخر فهو عقد قرض معين آجل أقرضه لآخرين واقترضه من آخرين معينين يَقْبضه منهم ويُقْبضه في أجل معين لكل شخص.
ومن منعه بعلة أنه قرض جر نفعا (¬1) فلم يصب؛ لأن الحديث في ذلك ساقط ولا يصح كقاعدة فقهية كذلك.
وعلى فرض التسليم بالاحتجاج به أو بالقاعدة فنقول بعدم صوابية ذلك؛ ولأن عموم الحديث مخصوص قطعا لجواز قبول الهدية بلا شرط وهذا جر نفعا.
ولأن صور التجارات بالدين جائزة في الأصل مع جرها نفعا تجاريا قطعيا، فدافع رأس مال السلم هو مقرض، وقابضه مقترض مقابل سلعة، وأجازه الشرع للحاجة، وخَرَّجَهُ الفقهاء على بيع في الذمة علة جوازه عموم الحاجة.
وكذا من يداين الناس في السلع التجارية بآجل مع زيادة ثمن يفيد ويستفيد، وقد جر نفعا، وهو مباح؛ لأن الأصل حل التجارات.
فلا بد أن يؤول الحديث أنه قرض إحسان وإرفاق شرط معه ربحٌ زائدٌ على أصله، وإلا لزم بعمومه إبطال معلومات الجواز من الأدلة وهي كثيرة، لأنه ما من إقراض تجاري إلا وله نفع.
¬_________
(¬1) - قولنا «بعلة أنه قرض جر نفعا» قلت: حديث «كل قرض جر منفعة فهو ربا» حديث ساقط باتفاق أهل الحديث. رواه الحارث كما في المطالب العالية رقم 1440 لابن حجر، وفيه سوار بن مصعب وهو متروك بلا خلاف، وهذا الحديث قال فيه العجلوني: وإسناده ساقط (كشف الخفا) ط/ دار إحياء التراث العربي (2/ 125). وقال الحافظ في بلوغ المرام رقم 861 رواه الحارث بن أبي أسامة وإسناده ساقط. وقال أبو حفص عمر بن بدر الموصلي في المغني عن الحفظ والكتاب: لم يصح فيه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم صـ 81، ط/ دار الكتاب العربي. وضعفه السيوطي في «الجامع الصغير»، والبوصيري في «إتحاف الخيرة» برقم 2937. وعبدالحق الإشبيلي وأعله بسوار بن مصعب وقال إنه متروك وأقره الزيلعي في نصب الراية (4/ 60) ط/ عوامة. وضعفه ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» ط/ مكتبة الرشد (2/ 78). وقال ابن عبدالهادي الحنبلي في «تنقيح التحقيق»: هذا إسناد ساقط وسوار هو ابن مصعب وهو متروك الحديث (4/ 180) ط/ أضواء السلف -الرياض. وقال الصنعاني في «سبل السلام»: إسناده ساقط. وقال السخاوي والمناوي: إسناده ساقط -فيض القدير (5/ 36) ط/ دار الكتب العلمية. وضعفه الألباني في «ضعيف الجامع» برقم 9728. وقال الفيروز آبادي: إنه موضوع ولا عبرة بأخذ كثير من الفقهاء به. وضعفه العلامة ابن باز، كما في مجموع الفتاوى (16/ 294)، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، ومحمد رشيد رضا في المنار، وصاحب أسنى المطالب. وكذا ليست بقاعدة فقهية، وإنما هو قول عن ابن عباس رضي الله عنه ولا إجماع على العمل به. انظر المغني لابن قدامة (9/ 111)، فقد نقل مذاهب في ذلك. وكذلك ابن نجيم في البحر الرائق.

الصفحة 75