كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

بها ولو إلى طبيب أجنبي لتوليدها دفعا للضرر البالغ عنها، والضرورات تبيح المحضورات (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (البقرة: 173)، وتقدر الضرورة بقدرها ولا يزاد عليها، فيكشف من المرأة ما لا بد منه للعملية أو الولادة فحسب.
ويؤمر المريض بالصدقة «داوو مرضاكم بالصدقة» (¬1)، وكذا الاستغفار، فإنه قوة لقوله تعالى (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) (هود: 52).
والتوبة من الذنوب قال صلى الله عليه وسلم: «ما اختلج عرق ولا عين في ابن آدم إلا بذنب وما يدفع الله عنه أكثر» (¬2).
والدعاء لله (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ) (النمل: 62).
وزيارة المريض قربة عظيمة عند الله للأدلة على ذلك (¬3).
¬_________
(¬1) - حديث «داووا مرضاكم بالصدقة» أخرجه الطبراني في الأوسط وفيه موسى بن عمير الكوفي ضعيف. وأخرجه الإمام أبو الطاهر السلفي في الدعاء مخطوط جوامع الكلم (إسلام ويب) عن عبادة بن الصامت. قلت: والسند إلى عبادة بن الصامت سند يُحَسَّنُ مِثْلُهُ، وقد وجدتُ له متابعا جيدا من طريق محمد بن خريم عن هشام بن عمار عن عراك بن خالد عن صالح بن صبيح عن أبيه عن إبراهيم ابن أبي عبلة عن عبادة وهو في معجم الشيوخ لابن عساكر ط/ دار البشائر -دمشق برقم 1544، إلا أنه نبه على علةٍ فقال: إبراهيم لم يدرك عبادة. وللحديث شواهد أدت إلى تحسينه عند بعض أهل العلم من المتقدمين، ومن لم يعتمدها ضعفه بالمرة، كالعجلوني في كشف الخفا ناقلا عن البيهقي وغيره. وأما هو فقال: إن له شواهد. وخلاصة الحديث عندي أنه لا بأس به ونظرا للخلاف فيه اضطرب فيه قول الألباني محسنا ومضعفا. ويغني عنه قوله تعالى (هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ) (الرحمن: 60) فمن تصدق ناويا الشفاء أحسن الله إليه بذلك لعموم النص.
(¬2) - حديث «ما اختلج عرق ... » أخرجه الطبراني في المعجم الصغير برقم 1053 بسند حسن عن البراء بن عازب بلفظ (ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب وما يدفع الله عنه أكثر) وفي مجمع الزوائد برقم 3755 قال: فيه الصلت بن بهرام وهو ثقة إلا أنه كان مرجئا، وحسنه المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير ط/ مكتبة الشافعي -الرياض.
(¬3) - قولنا «للأدلة على ذلك»: الأدلة على زيارة المريض بالغة حد التواتر وهي مخرَّجة في الموطأ وفي الصحيحين، وفي السنن الأربع، وفي مسند أحمد، وفي صحيح ابن خزيمة، وابن حبان، ومسند البزار والطيالسي، ومسند أبي يعلى، والسنن الكبرى للبيهقي، ومستخرج أبي عوانه، وسنن سعيد بن منصور، والأدب المفرد للبخاري، ومعاجم الطبراني، وشعب الإيمان للبيهقي، ومسند الروياني، ومصنف ابن أبي شيبه وعبدالرزاق، والمعرفة لأبي نعيم، وكتاب الأربعين للطوسي، وانظر كذلك الترغيب والترهيب للمنذري، وبالجملة فزيارة المريض من أعظم القربات عند الله سبحانه وتعالى حتى إن العبد مسئول عنها كما في الحديث الصحيح «مرضت فلم تعدني» وهو في صحيح مسلم برقم 6721 من حديث أبي هريرة، فهذا يدل على أن زيارة المريض تكليف شرعي بدلالة السؤال المحاسبي عنها أمام الله.

الصفحة 91