كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

الدين النصيحة، ويجب عليه في الحالات الطارئة والضرورية أو حالة لا يمكن علاجها إلا في تلك الجهة.
ولا يجوز لطبيب أن يحيل على عيادته حال دوامه الرسمي في المستشفى مع إمكان علاجه فيه؛ لأنه إضرار به وبماله، ومال المسلم حرام إلا بحقه (¬1)، ولا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه (¬2).
فإن قصد نفعه لعجز إمكانات المستشفى جاز.
وإذا اضطرت المرأة الطبيبة للعمل في مكان فيه أجانب، فإنه يجب عليها الحشمة، والحجاب، ويحرم المزاح مع الرجال الأجانب؛ لأنه من الخضوع في القول، أو الكلام الخارج
¬_________
= وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم. قال الخطابي رحمه الله: ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح. وهذا كله على أن المراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمور المسلمين من أصحاب الولايات. وهذا هو المشهور. وحكاه أيضا الخطابي. ثم قال: وقد يتأول ذلك على الأئمة الذين هم علماء الدين، وأن من نصيحتهم قبول ما رووه، وتقليدهم في الأحكام، وإحسان الظن بهم.
وأما نصيحة عامة المسلمين وهم من عدا ولاة الأمر فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم، ويعينهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة، وترك غشهم وحسدهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير، ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه، والذب عن أموالهم وأعراضهم، وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل، وحثهم على التخلق بجميع ما ذكرناه من أنواع النصيحة، وتنشيط همهم إلى الطاعات. وقد كان في السلف رضي الله عنهم من تبلغ به النصيحة إلى الإضرار بدنياه. والله أعلم.
هذا آخر ما تلخص في تفسير النصيحة. قال ابن بطال -رحمه الله- في هذا الحديث: إن النصيحة تسمى دينا وإسلاما وإن الدين يقع على العمل كما يقع على القول. قال: والنصيحة فرض يجزي فيه من قام به، ويسقط عن الباقين. قال: والنصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه، ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه. فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة. والله أعلم.
(¬1) - لحديث «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ... » وقد تقدم تخريجه.
(¬2) - متفق عليه، وقد تقدم تخريجه.

الصفحة 94