كتاب المقدمة في فقه العصر (اسم الجزء: 1)

عن الآداب واللياقة؛ لأنه ليس من القول المعروف (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا) (الأحزاب: 32)، أو الحركات الخاضعة أو إظهار الزينة ورائحة العطور أو الخلوة بأجنبي.
فإن الله حرم ذلك كله:
(فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) (الأحزاب: 32)، (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ) (النور: 31)، (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) (النور: 31).
وزميل العمل أجنبي في كل الأحكام.
وتسمية الزميل، والصديق للمرأة قد يؤدي إلى تساهل مضر، فيكون من تلبيس الشيطان، بل هو أجنبي.
فالرجال بالنسبة للمرأة إما مَحْرَمٌ، أو زوج، أو أجنبي.
والأجانب ولو كانوا من أهل الإيمان، فالأحكام واحدة، فلا تخضع بالقول، ولا تظهر الزينة، ولا تخلو (¬1)، ولا تفعل كل ما يمكن فهمه منها أنه تساهل وخضوع، أو يمكن أن يفتح باب الفتنة أو الشهوات.
¬_________
(¬1) - قولنا «ولا تخلو» دليله ما أخرجه البخاري برقم (3006) ومسلم برقم (3336) من حديث ابن عباس، رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم. فقام رجل فقال: يا رسول الله، اكتتبت في غزوة كذا وكذا وخرجت امرأتي حاجّة. قال: اذهب فحج مع امرأتك.
قال النووي في «المجموع شرح المهذب» (4/ 278): وأما الأحاديث الواردة في المسألة فمنها ما روى عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إياكم والدخول علي النساء». فقال رجل من الأنصار: أفرأيت الحمو. قال: الحمو الموت» رواه البخاري ومسلم. الحمو قرابة الزوج، والمراد هنا قريب تحل له كأخ الزوج وعمه وابنهما وخاله وغيرهم. وأما أبوه وابنه وجده فهم محارم تجوز لهم الخلوة وإن كانوا من الأحماء وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم» رواه البخاري ومسلم. وعن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال على المنبر «لا يخلون رجل بعد يومي هذا سرا على مغيبة إلا ومعه رجل أو اثنان» رواه مسلم. المغِيبة -بكسر الغين- التي زوجها غائب، والمراد هنا غائب عن بيتها وإن كان في البلدة وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال «كانت فينا امرأة -وفى رواية كانت لنا عجوز- تأخذ من أصول السلق فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شعير فإذا صلينا الجمعة انصرفنا نسلم عليها فتقدمه إلينا» رواه البخاري. فهذا قد يمنع دلالته لهذه المسألة لأنه يحتمل أن يكون فيهم محرم لها، وليس فيه تصريح بالخلوة بها. والله أعلم.

الصفحة 95