كتاب الفلاكة والمفلوكون

تمنوا الأماني وقنعوا بمخادعة الإملاق بالمواعيد الكاذبة واستنشقوا الغنى من حيث لا تهب ريحه وأتوا السعادة من غير أبوابها، وأنا أبين وجه استحالة الأسباب الأول وهي الكيمياء والنجوم والمطالب واستحالة إفضاء التعلق بالسبب الآخر إلى المطلوب:
فأما النجوم فنقول: ليس البحث في تأثير شعاع الكواكب في التسخين عند المسامتة أو التبريد عند الانحراف عن المسامتة، ولا في وجود الضياء في المواضع التي تطلع فيها الشمس والقمر وعدمه فيما غابا عنه، ولا فيما يجري مجرى التأثير الطبيعي على حسب ما نصه سبحانه وله الحمد مثل ان النبات ينمى ويقوى ويشتد ويتكامل وينضج ثمره بالشمس والقمر وكما في امتداد القثاء وطوله وغلظه بالقمر، وسرعة نضج التين وادراكه بمقابلة الشمس وبقائه فجاً بطيء الإدراك بخفائه عن الشمس، ومثل أن البرد بسبب بعد الشمس عن سمت رؤوسنا، وكذلك ليس البحث في أن الشمس إذا طلعت فإن الحيوان ناطقه وبهيمته يخرج من أماكنه واكنته وتظهر القوة والحركة فيه وتزداد قوة الحيوان مع ازدياد صعود الشمس في
الربع الشرقي وتنقص وتضعف قوة الحيوان وتفتر مع ميل الشمس عن وسط السماء، ولا في ارتباط فصول العام الأربعة بحركات الشمس، ولا في انفتاح اللينوفر وورق الخطمي وتحركه بطلوع الشمس وضعفه إذا غابت عنه، ولا في المد الحاصل في بحر فارس والهند إذا بلغ القمر مشرقا من مشارق البحر إلى أن يصير القمر إلى وسط سماء ذلك الموضع، ولا في الجزر الحاصل في البحرين المذكورين، ولا في تأثير الشمس والقمر حرارة ورطوبة وبرودة ويبوسة وتوابعها في هذا العالم من الحيوان والنبات بواسطة الهواء وقبوله للسخونة والحرارة بانعكاس شعاع الشمس مثلا عليه عند مقابلتها لجرم الأرض واختلاف حال الهواء بذلك واختلاف أحوال الأبخرة في تكاثفها وبردها ولطفها وحرها، ولا في أن السودان لما كان مسكنهم خط الاستواء إلى محاذاة ممر رأس السرطان وكانت الشمس تمر على رؤوسهم في السنة إما مرة أو مرتين تسودت أبدانهم وجعدت شعورهم وقلت رطوباتهم فساءت أخلاقهم وضعفت عقولهم، ولا في أهل الهند واليمن وبعض أهل المغرب لما كانت مساكنهم اقرب إلى محاذاة ممر السرطان كان السواد فيهم أقل

الصفحة 23