كتاب الفلاكة والمفلوكون

وطبائعهم وأخلاقهم أحسن وأجسامهم أنصع، ولا في أهل العراق والشام وخراسان وفارس والصين لما كانت مساكنهم على ممر رأس السرطان إلى محاذاة بنات نعش الكبرى والشمس لا تسامت رؤوسهم ولا تبعد عنهم كثيراً وأن لذلك لم يعرض لهم حر شديد ولا برد شديد كانت ألوانهم متوسطة وأجسامهم معتدلة وأخلاقهم فاضلة، ولا في أن هؤلاء مختلفون بحسب اختلاف ذلك: فمن كان من هؤلاء أميل إلى ناحية الجنوب كان أتم في الذكاء والفهم، ومن كان منهم يميل إلى ماحية المشرق فهم أقوى نفوساً واشد ذكورة، ومن كان يميل إلى ناحية الغرب غلب عليهم اللين والرزانة، ولا في أن الترك والصقالبة لما كانت مساكنهم محاذية لبنات نعش والشمس بعيدة عن مساكنهم كان البرد غالبا
عليهم، لأنه ليس هناك من الحرارة ما ينشفها، وكان لذلك ألوانهم بيضاء وشعورهم سبطة شقراء وأبدانهم رخصة وطبائعهم مائلة إلى البرودة وأذهانهم جامدة ولا في أن الأخلاط التي في بدن الإنسان تزيد ما دام القمر آخذاً في الزيادة ويكون ظاهر البدن أكثر رطوبة وحسناً، فإذا نقص ضوء القمر صارت هذه الأخلاط في غور البدن والعروق وازداد ظاهر البدن يبسا، ولا في ازدياد ألبان الحيوانات بتزايد القمر أول الشهر إلى نصفه وتناقصها مع نقصانه، ولا في أدمغة الحيوان وامقال البيض التي تزيد أول الشهر وتنقص آخره، ولا في أن الإنسان إذا نام أو قعد في ضوء القمر حدث في بدنه الاسترخاء والكسل وهاج عليه الزكام والصداع، ولا في بلاء الكتان وفساد اللحم وتغير طعمه بانكشافه لضوء القمر، ولا في كثرة الأسماك في البحر وسمنها أول الشهر وقلتها وضعفها خره، ولا في قبول الرياض والأشجار للنمو والنشو إذا غرست أول الشهر وعدم قبولها لذلك إذا غرست آخره.
إنما البحث في أن النجوم تؤثر في جملة الحوادث السفلية من السعادة والشقاوة والذكاء والبلادة والحسن والقبح والخديعة والمكر والنذالة والشهامة والشجاعة والجبن والأشكال والمقادير ونحوها، وان ذلك كله باتصالات الكواكب وانفصالاتها ومسامتتها ومباينتها، فإن هذا مما لا برهان عليه لا بخبر من لا يجوز الكذب عليه ولا بضرورة العقل ولا بنظره، وغايته حدس وتخمين وظنون كاذبة وتزوق وتفرس وحيلة وخديعة، حتى أن من لا يتقيد بالشريعة كابن سينا

الصفحة 24