كتاب الفلاكة والمفلوكون

هذا الأصل حتى رجع القائل الأول فقال:
كذب المنجم في مقالته التي ... نطقت على بغداد بالهذيان
قتل الأمين بها لعمري يقتضي ... تكذبيهم في سائر الحسبان
ثم مات ببغداد جماعة من الخلفاء مثل الواثق والمتوكل والمعتضد والمكتفي والناصر وغير هؤلاء.
ومن ذلك اتفاقهم في سنة ثلاث وعشرين ومائتين في قصة عمورية على أن المعتصم إن خرج لفتحها كانت عليه الدائرة وان النصر لعدوه، فخرج ففتح عمورية وما والاها من كل حصن وقلعة، وفي ذلك الفتح قام أبو تمام الطائي منشداً:
السيف أصدق أنباءاً من الكتب ... في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهن جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الارماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب
أين الرواية أم أين النجوم وما ... صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
تخرصا وأحاديثاً ملفقة ... ليست ينبع إذا عدت ولا غرب
وهي نحو من سبعين بيتا أجيز على كل بيت منها بألف درهم.
ومن ذلك اتفاقهم وفيهم زعيمهم أبو الحسن العاصمي على أن المكتفي بالله أن خرج لقتال القرامطة لم يرجع وتزول دولته وان طالع مولده يقتضي ذلك، وأخافوا وزيره القاسم بن عبيد الله من الخروج معه فخرج إليهم المكتفي وأخذهم جميعاً، ولما عاد وزيره القاسم أمر بإحضار رئيس المنجمين وصفعه صفعاً عظيماً.
ومن ذلك اتفاقهم سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة عندما أراد القائد جوهر بناء مدينة
القاهرة المعزبة وقد كان سبق مولاه الملقب بالمعز إلى الدخول إلى الديار المصرية لما أمره ببنائها وأن يكون نجوم طالعها في غاية الاستقامة ويكون بطالع الكوكب القاهر وهو زحل أو المريخ ولذلك سميت القاهرة فجمع القائد جوهر المنجمين فحققوا الرصد وأمر البنائين أن لا يضعوا الأساس حتى يقال لهم ضعوه وان يكونوا على نهاية من التيقظ والإسراع فوضعت على ذلك الإتقان واتفقوا على أن الدولة الفاطمية لا تخرج الدولة عنهم، فلما استولى عليها صلاح الدين يوسف بن أيوب

الصفحة 26