كتاب الفلاكة والمفلوكون

في مكان لا يستكتب فيه لم يكن بينه في الجهالة والخفاء والإهمال والجحد فرق البتة. وأما تشهير مقبول
القول فأعز من بيض الأنوق ومن تصحيح الإكسير، وما أحق هذا بقول القاضي الجرجاني:
إذا لم يكن في الأرض حر بعينني ... ولم يك لي كسب فمن أين أرزق
(ومنها) أن الحرفة هوائية صرفة، وصرفها عن الدخيل والأجنبي الذي لا زبون له بالمواطأة والحيلة والاعتذار والشعوذة والدك من إدخال الأشياء تحت الإمكان لاسيما وأهلها بطرق اللؤم أهدى من القطا، مع ما لهم من القسوة والقحة وغلظ الأكباد أحسن الله خلاصنا من أيديهم.
وأما المفاسد والنقائض العاجلة فلأن الشهادة في هذا الزمان تستلزم النذالة والسفالة والدناءة وسقوط الهمة وموت النفس والشح والقحة وتؤدى إلى التباغض والتماقت والتقاطع والتدابر والتحاسد، يتقاسمون الفلس والفلسين ويتغاضبون على الحبة والحبتين ويتراضون بالدرهم والدرهمين ويسرقون ويختلسون. قال عمر بن الوردي من أرجوزة طويلة في ذلك:
يغيب الأشغال من أبيه ... ويسرق الأجرة من أخيه
ويحلفون بالطلاق والعتاق على ما كذبهم فيه أظهر من الشمس فضلاً عما يحتمل الكذب، ويعدون ذلك استرضاءً وعقلا، ويتهافتون بسرعة القيام للأشغال ويعدونه حذقاً وكيساً، ويوسعون الدخيل حرماناً وشعبذة ويعدونه دهاءً وكيساً، وقد قلت في تهافتهم ومبادرتهم القيام:
بليت به جهولاً جاهلياً ... ثقيل الروح مذموماً بغيضاً
ولم يك أكثر الإخوان علماً ... ولكن كان أسرعهم نهوضاً
وأما المضار الأخروية فمن وجوه:
(أولها) - حضور الأنكحة مع عدم الاستظهار في شروطها من انقضاء العدة والأولياء والكفاءة وغيرها. وعلى الجملة فالإقدام على عقد من غير معرفة حكمه
حرام، ثم بتقدير وجود الشرائط فمعهم من أنفسهم المفسد الأعظم وهو فوات العدالة، لما أن كل واحد يعرف من نفسه مالا يعرف من غيره، والعدالة عند

الصفحة 33