كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 2)

بسم الله الرحمن الرحيم [1 أ]
الجواب:
اعلم- وفقني الله وإياك- أن معنى التصوف (¬1) المحمود هو الزهد (¬2) في الدنيا، حتى يستوي عنده ذهبها وترابها، ثم الزهد فيما يصدر عن الناس من المدح والذم حتى يستوي عنده مدحهم وذمهم، ثم الاشتغال بذكر الله- سبحانه- وبالعبادة المقربة لله، فمن كلن هكذا فهو الصوفي حقا، وعند ذلك يكون من أطباء القلوب فيداويها. مما يمحو عنها الطواغيت الباطنية من الكبر، والحسد، والعجب، والرياء، وأمثال هذه الغرائز الشيطانية التي هي أخطر المعاصي، وأقبح الذنوب، ثم يفتح الله له أبوابا كان عنها محجوبا كغيره، لكنه لما أماط عن ظاهره وباطنه الذنوب الذي يصير ها قلبه وحواسه في ظلمة، بل يصير ها جميع ظاهره وباطنه في غشاوة صار جسدا صافيا عن شوب الكدر، مطهرا عن دنس الذنوب، فيبصر ويسمع ويفهم بحواس لا يحجبها عن حقائق الحق حاجب، ولا يحول بينها وبن درك الصواب حائل. ويدل على ذلك أتم دلالة وأعظم
¬_________
(¬1) تقدم التعريف ها في رسالة " الصوارم الحداد " رقم (24).
(¬2) الزهد:
قال سفيان الثوري: الزهد قي الدنيا قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ ولا لبس العباء.
وقال الجنيد: سمعت سريا يقول: إن الله عز وجل سلب الدنيا عن أوليائه وحماها عن أصفيائه، وأخرجها من قلوب أهل وداده، لأنه لم يرضها لهم.
وقال: الزهد في قوله تعالى: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور} [الحديد: 23].
فالذاهب لا يفرح من الدنيا. بموجود ولا يأسف منها على مفقود.
وقال الإمام أحمد: الزهد في الدنيا قصر الأمل.
وقال ابن تيمية: الزهد ترك مالا ينفع في الآخرة، والورع ترك ما تخاف ضرره في الآخرة.
انظر مدارج السالكين (2/ 12، 13).

الصفحة 1045