كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 2)

وقوله: {استتغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم} (¬1) فمن كان من صالحي العباد متصفا هذه الصفات، متسما هذه السمات فهو رجل المعا لم، وفرد الدهر، وزين العصر. والاتصال به مما تلين به القلوب، وتخشع له الأفئدة، وتجذب بالاتصال به العقول الصحيحة إلى مراضي الرب- سبحانه-، وكلماته هي الترياق المجرب، وأشار به هي طب القلوب القاسية، وتعليماته هي كيمياء السعادة، وإرشاداته هي الموصلة إلى الخير الأكبر، والكرامات الدائمة التي لا نفاذ لها ولا انقطاع. ولم تصف البصائر ولا صلحت السرائر. ممثل الاتصال هؤلاء القوم الذين هم خيرة الخيرة، وأشرف الذخيرة فيا لله قوم لهم السلطان الأكبر على قلوب هذا العالم! يجذبونها إلى طاعات الله- سبحانه- والإخلاص له، والاتكال عليه، والقرب منه، والبعد عما يشغل عنه، ويقطع عن الوصول إليه. وقل أن يتصل هم ويختلط بخيارهم إلا من سبقت له السعادة، وجذبته العناية الربانية
¬_________
= الشجرة " (شجرة قريبة من نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وأنزل الله عز وجل {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يسخن في الأرض إلى قوله تعالى فكلوا مما غنمتم حللا طيبا} (الأنفال: 67 - 69] أحل الله الغنيمة لهم.
(¬1) [التوبة: 80].
أخرج البخاري في صحيحة رقم (1269) ومسلم رقم (2774) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أن عبد الله بن أبي لما توفى جاء ابنه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله أعطني قميصك
أكفنه فيه، وصل عليه واستغفر له فأعطاه النبي قميصه، فقال: " آذني أصلي عليه " فآذنه، فلما أراد أن يصلي عليه جذبه عمر رضي الله عنه. فقال: أليس الله نهاك أن تصلي على المنافقين؟ فقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا بين خيرتين، قال: {اشتغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم ستعين مرة فلن يغفر الله لهم} [التوبة: 80]، فصلى عليه فنزلت: {ولا تصل على أحد منهم مات أبد}، [التوبة: 84].

الصفحة 1049