كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 2)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وآله الأكرمين.
اعلم أن ما يحدث من أولياء (¬1) الله- سبحانه- من الكرامات (¬2) الظاهرة التي لا شك
¬_________
(¬1) تقدم الكلام على الأولياء والتعريف هم.
ونذكر معك: أن الولي: القرب، والدنو والولي الاسم منه والمحب والصديق والنصير.
القاموس (ص 1732).
وقال ابن تيمية في " الفرقان بين أولياء الرحمن والشيطان (ص 6): والولاية ضد العداوة واصل الولاية المحبة والقرب، وأصل العداوة البغض والبعد وقد قيل: إن الولي سمى وليا من موالاته للطاعات ..
والولي: القريب.
(¬2) الكرامة في اللغة.
يقال كرم الرجل كرما وكرامة فهو كريم، فتكون الكرامة مصدرا، ويقال كرمه وكرمه تكريما وإكراما وكرامة فتكون اسم مصدر.
اللسان (12/ 75).
الكرامة في الشرع: هي ظهور أمر خارق للعادة من قبل شخص غر مقارف لدعوى النبوة، فما لا يكون مقرونا بالإيمان والعمل الصالح يكون استدراجا، وما يكون مقرونا بدعوة النبوة يكون معجزة ". وقيل: الفعل الخارق الذي يظهر على أحد من غير تحد يسمى الكرامة ".
وهذا التعريف قاصر غير مانع لأن من شأن الساحر أن يظهر على يديه خوارق للعادات من غر أن يتحد لعلمه أن هناك غره من السحرة.
وجملة القول في توضيح معنى الكرامة في الشرع أن يعلم أن الله سبحانه وتعالى خلق الكون وسيره على سنن محكمة مطردة لا تتخلف ولا تتعارض وربط المسببات بأسبابها، والنتائج. بمقدماتها، وأودع في الأشياء خواصها فجعل النار- مثلا للإحراق، والماء للإرواء .... ثم إن هذا النظام الكوني البديع المتناسق يجرى على العادة التي ألفناها جاريا عليها، فإذا حصل أن رأينا المسبب من غرر أسباها، ووجدنا أن النتيحة لم ترتبط. بمقدماتها كان ذلك خرقا لهذه العادة المألوفة، فيبقى النظر فيمن حصلت على يديه هذه الخارقة من حيث الصلاح وعدمه. وفي هذه الخارقة هل يصلح ظهورها على يد ولي أولا، وفي الغرض الذي ظهرت هذه الخارقة لأجل تحقيقها. وبنتيجة هذا النظر الشرعي المحض نتمكن من الحكم على الخوارق عما إذا كانت كرامة أم معجزة أم أنها استدراج أم من الأحوال الشيطانية.
الخلاصة: أن الكرامة: أمر خارق للعادة يجريها الله على يد ولي من أوليائه قاصر عن النبوة في الرتية، معونة له على أمر ديني أو دنيوي ".
التعريفات (ص 184) "شرح العقيدة الواسطية " (ص 168).
الكواكب الدرية للمناوي (1/ 8).
الفرق بين المعجزة والكرامة:
المعجزة: وهى عبارة عن الفعل الذي يدل على صدق مدعى النبوة في وقت تتأتى فيه، وحميت معجزة لأن البشر يعجزون عن الإتيان. بما هذا سبيله فصار كأنه أعجزهم.
1/ المعجزة لابد من اقترافا بدعوى النبوة وهذا ما يميزها عن الكرامة.
2/ أن المعجزة يستشهد ها الرسول لدعم دعواه إذ يتوقف إيمان قومه عليها بخلاف صاحب الكرامة لا يجب عليه إظهار الكرامة بل يستحس سترها. فهو يدعو إلى شرع قد ثبت وتقرر على يد رسول فلا يحتاج إلى إظهار كرامة على أن يتبعه الناس على ما دعاهم إليه.
قال القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن " (11/ 30): "والفرق بين المعجزة والكرامة أن الكرامة مع شرطها الاستتار والمعجزة من شرطها الإظهار وقيل: الكرامة ما تظهر من غير دعوى والمعجزة ما تظهر عند دعوى الأنبياء فيطالبون بالبرهان فيظهر أثر ذلك.
الفرق بين الكرامة والأحوال الشيطانية كالسحر والشعوذة.
1/ النظر في مدى متابعة صاحب الخوارق للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فمتى وجدنا الشخص تحالفا للشرع متلبسا بالبدع علمنا أن ما يجرى على يديه من هذه الأمور ليست بكرامة. بل هي استدراج وإما من أعمال الشياطين. قال تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام: 121].
قال السبكي: إن أهل القبلة متفقون على أن الكرامات لا تظهر على الفسقة الفجرة، وإنما تظهر على المتمسكين بطاعة الله عز وجل ".
2/ أن الكرامات لا تجدي فيها التعلم والتعليم ولا تكون. بمزاولة أعمال مخصوصة يتقنها صاحبها بخلاف الشعوذة والكهانة.
3/ من السمات التي يعرف ها الخوارق الشيطانية ما يحصل بين هذه الخوارق من معارضة بعضها بعض. ذلك لأنها ليست خاضعة لتوجيه الشرع ولم تستعمل لتحقيق هدف موحد سليم فصارت تحت تصرف الأهواء والتوجيهات الشيطانية. فتحد بعضهم يعارض البعض لغرض إبراز المهارات في المكر والخديعة.
وهذا يخالف حال أولياء الله تعالى.
قال ابن تيمية في " مجموع فتاوى (11/ 295): وهؤلاء العباد الزهاد الذين ليسوا من أولياء الله المتقين للكتاب والسنة تقترن بهم الشياطين فيكون لأحدهم من الخوارق ما يناسب حاله لكن خوارق هؤلاء يعارض بعضها بعضا ".
4/ قال ابن تيمية في " مجموع فتاوى " (11/ 295): ولابد أن يكون في أحدهم من الكذب جهلا وعمدا ومن الإثم ما يناسب حال الشياطين المقترنة هم ليفرق الله بذلك بين أولياءه المتقين، وبن المتشبهين هم من أولياء الشياطين قال تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم} [الشعراء: 221 - 222] الأفاك: الكذاب. الأثيم: الفاجر ".
5/ أن أهل الأحوال تنصرف عنهم شياطينهم وتبطل أعمالهم وشعوذتهم إذا ذكر عندهم ما يطردها- أية الكرسي.
قال ابن تيمية في " الفرقان " (ص 135): ولهذا إذا قرأها يعني آية الكرسي- الإنسان عند الأحوال الشيطانية بصدق أبطلها ".
وذلك بخلاف كرامات أولياء الله فإن القرآن لا يبطلها بل يزيدها قوة على قوة ونورا على نور.
انظر: " مجموع فتاوى " لابن تيمية (11/ 286،293).

الصفحة 1067