كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 2)

ولا شك أن العامة أسرع الناس إلى كل ذريعة من ذرائع الفساد التي يتمكنون معها من شيء من المحرمات كالمولد ونحوه. فإذا انضم إلى ذلك حضور من له شهرة في العلم والشرف والرئاسة فعلوا المحرمات بصورة الطاعات، وخبطوا في أودية الجهالات والضلالات، وتخلصوا من ورطة الإنكار بقولهم: حضر معنا سيدي فلان وفلان وفلان. دع عنك العامة بم فإن بعض الخاصة المتميزين في طلب العلم قعد بين يدي لقراءة بعض علوم الاجتهاد، فأخبرني أنه حضر ليلة ذلك اليوم من هذا الشهر، في بعض الموالد، فأنكرت عليه، وانقبضت منه فقال: حضر معنا سيدي فلان وفلان وفلان، فسألته عن الصفة التي وقعت بحضرة أولئك الأعيان فقال في جملة شرع تلك القضية أنه قرأ المولد رجل سوقي، وأولئك الأعيان يطربون ويسمعون حتى بلغ إلى بعضه ثم قام كأنما نشط من عقال، وهو يقول: مرحبا يا نور عيني مرحبا. وقام بقيامه جميع الحاضرين من الأعيان وغيرهم، وصار ينهق قائما وهم كذلك، فتعب بعض الحاضرين فقعد، فصاح عليه بعض أولئك الأعيان، وقال له: وقد ظهرت عليه سورة الغضب: قم ما هي ملعابه، هذا اللفظ، وهم لا يشكون أن رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وصلى إليهم تلك الساعة، ثم تصافحوا وأقبل جماعة من العامة بأيديهم أنواع من الطيب معاجلين مسرعين، كأنهم ينتهزون فرصة بقآئه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فإنا لله وإنا إليه راجعون. أين عزة الدين، فإن ذهبت فأين الحياء والمروؤة والعقل؟. وهب أنه لا يحصل بحضرة هؤلاء الأعيان شيء من المنكرات كما هو الظن هم، ألا يدرون أن العامة تتخذ ذلك وسيلة وذريعة إلى كل منكر، ويصكون بحضورهم وجه كل منكر، ويفعلون في موالدهم التي لا يحضرها إلا سقط المتاع كل منكر، ويقولن: قد حضر المولد فلان وفلان وفلان ويتمسكون بجامع اسم المولد.
ومن ههنا يلوح لك فساد اعتذار بعض المجوزين بأنه إذا لم يحصل في المولد إلا الاجتماع للطعام والذكر فلا بأس به، وأنه لا يلزم من تحريم ما يصحبه من المحرمات تحريمه، لأنا نقول: المولد مع كونه بدعة باعترافك قد صار مصحوبا عادة بكثير من

الصفحة 1090