كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 2)

كما فعل السيوطي، فمن الغرائب التي أوقع في مثلها [6] محبة تقويم البدع.
والحاصل أن المجوزين (¬1) وهم شذوذ بالنسبة إلى المانعين قد اتفقوا على أنه لا يجوز
¬_________
(¬1) يشير بعض المجوزين للاحتفال بالمولد النبوي بعض الشبهات لجعله مشروعا أو مباحا على الأقل واليك بعضها مع الرد عليها ومناقشتها:
1/ قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إياكم ومحدثات الأمور، بان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ".
وهو حديث صحيح أخرجه أحمد (4/ 126 - 127) وأبو داود رقم (4607) والترمذي رقم (2676) وابن حاج رقم (43، 44) والحاكم (1/ 95 - 97) من حديث العرباض بن سارية.
قولهم فيه: لا يدل على أن جميع البدع ضلالة، لأن " كل " ليست تشمل الجميع ومن العلماء من قال: تنقسم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة، ومنهم من قال البدعة تنقسم إلى بدعة واجبة وبدعة مستحبة وبدعة مباحة وبدعة مكروهة وبدعة محرمة.
والجواب عن ذلك: إن الحديث على ظاهرة يدل أن جميع البدع في الدين ضلالة بدون استثناء، لأن " كل " تفيد الاستغراق أي: استغراق جميع الأفراد خاصة وأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدم عليها أداة التحذير " وإياكم ومحدثات الأمور" فهل يمكن مع كل هذا أنه يريد البعض؟
ونقول أي عبارة أبلغ من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا الحديث- للدلالة على رفض البدع كلها وأما قول من قال من العلماء إن البدعة تنقسم إلى الأحكام الخمسة- تقدم التعليق على ذلك.
2// قولهم: إن الاحتفال بالمولد ليس بدعة، بل هو سنة حسنة، بدليل قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل ها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل ها إلى يوم القيامة. .
أخرجه مسلم في صحيحة رقم (69/ 1017) من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
والجواب: أن السنة الحسنة تكون فيما له أصل في الشرع كالصدقة التي هي سبب ورود الحديث فقد روى أن قوما قدموا إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهم في حاله يرثى لها من الحاجة والفاقة فحث الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه على التصدق لهؤلاء القوم وجاء رجل بصرة من الدراهم عجزت عن حملها يده فتسابق القوم إلى التصدق مقتدين هذا الرجل.
وعندها قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا الحديث، وأما الاحتفال بالمولد فهر بدعة أحدثت بعد مضى القرون المفضلة.
13/ قولهم: لقد ظهرت بدع كثرة حسنة رضي بها علماء الإسلام وسار عليها المسلمون إلى يومنا هذا مثل جمع عمر بن الخطاب المسلمين في صلاة التراويح على إمام واحد.
أخرجه البخاري رقم (2010) عن عبد الرحمن بن عبد القاري.
الجواب:- إن الأثر صحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لكن قول الصحابي ليس حجة إذا خالف الحديث الصحيح.
2/ أن صلاة القيام مشروعة بنص الحديث الذي أخرجه البخاري رقم (2009) ومسلم رقم
(174) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم بعزيمة فيقول: " من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه " فتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلاقة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر على ذلك.
3/ أن صلاة القيام جماعة مشروعة بنص حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن عائشة رضي الله عنها أخبرت، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خرج ليلة قي جوف الليل فصفى في المسجد، وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا فاجتمع أكثر منهم، فصلى فصفوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى بصلاته فلما كانت الليلة الرابعة، عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال: " أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها " فتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والأمر على ذلك.
أخرجه اليخاري رقم (2012) ومسلم رقم (178/ 761).
قلت: لقد اتضح من الحديثين السابقين أن صلاة القيام في رمضان مشروعة، وصلاتها جماعة مشروعة، وإنما ترك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحضور في الليلة الرابعة نحافة أن تفرض على المسلمين، فلما انقطع الوحي بموت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمن ما خاف منه الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأن الحلة تدور مع المعلول وجوداوعدما، فبقيت السنة للجماعة لزوال العارض، فجاء عمر بن الخطاب، أمر بصلاتها جماعة، إحياء للسنة التي شرعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا تعلم أن مفهوم البدعة لا ينطق على فعل عمر! ه ويقول ابن تيمية في " اقتضاء الصراط " (ص
275 - 277): " أكثر ما قي هذا تسمية عمر تلك البدعة مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية ".
4// في الأثر التاريخي وهو: ما روي من أن أبا لهب الخاسر رؤى في المنام، فسئل فقال: إنه يعذب في النار، إلا أن يخفف عنه كل ليلة اثنين، ويمص من بين أصبعيه ماء بقدر هذا وأشار إلى رأس أصبعه. وان ذلك كان له بسبب إعتاقه جاريته ثويبة لما بشرته بولادة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأخيه عبد الله بن عبد المطلب وبإرضاعها له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والرد على ذلك بأوجه منها:
1/ أن أهل الإسلام مجمعون أن الشرع لا يثبت برؤى الناس المنامية مهما كان ذو الرؤيا في إيمانه وعلمه وتقواه، إلا أن يكون نبي الله فإن رؤيا الأنبياء، والوحي حق.
2/ أن صاحب الرؤيا العباس بن عبد المطلب، والذي رواها عنه بالواسطة فالحديث مرسل، والمرسل لا يحتج به، ولا تثبت به عقيدة ولا عبادة مع احتمال أن الرؤيا التي رآها العباس قبل إسلامه، ورؤيا الكافر حال كفره لا يحتج ها إجماعا.
3/ أكثر أهل العلم من السلف والخلف على أن الكافر لا يثاب على عمل صالح عمله إذا مات على كفره وهو الحق لقول الله سبحانه {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} [الفرقان: 23].
5// رمن عللهم- سماع بعض الشمائل المحمدية ومعرفة النسب النبوي الشريف.
فالجواب: إن الواجب على كل مسلم ومسلمة أن تعرف نسب نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفاته كما يعرف الله تعالى بأسمائه وصفاته هذا لابد له من تعليم ولا يكفي فيه مجرد سماع تلاوة قصة المولد مرة في كل عام.
6// ومن عللهم- الاجتماع على ذكر اللة سبحانه من قرائه القرآن والصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فالجواب: هذه علة فاسدة باطلة لأن الاجتماع على الذكر بصوت واحد لم يكن معروفا عند السلف فهو في حد ذاته بدعة منكرة.
وأما المدائح والقصائد بالأصوات المطربة الشجية فهذه بدعه أقبح ولا يفعلها إلا المتهوكون - المتحيرون المتهورون المضطربون في الدين- والعياذ بالله تعالى مع أن المسلمين العالمين يجتمعون كل يوم وليلة طوال العام في الصلوات الخمس في المساجد رفي حلق العلم لطلب العلم والمعرفة وما هم بحاجة إلى جلسة سنوية الدافع عليها في الغابي الحظوظ النفسية من سماع الطرب والأكل والشرب.
وقفة: ما هو المولد النبوي؟
إن المولد النبوي الشريف في عرف اللغة العربية: هو المكان أو الزمان الذي ولد فيه خاتم الأنبياء وإمام المرسلين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمولده المكاني: هو دار أبي يوسف المقام عليها اليوم مكتبة عامة. مكة المكرمة.
ومولده الزماني: هو يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول من عام الفيل على أشهر الروايات وأصحها. الموافق لأغسطس من عام سبعين وخمسمائة من تاريخ ميلاد المسيح عيسى عليه السلام. الخلاصة:
خلاصة القول أنه لا يجوز الاحتفال بالمولد النبوي للأسباب التالية:
1/ أنه بدعة في الدين والأدلة الشرعية تحذر من البدع في الدين وأن الأعياد والاحتفالات من أمور الشريعة.
2/ أن القرون الثلاثة المفضلة وهم أشد حبا للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يحتفل أحد منهم بالمولد.
3/ أن هذا الاحتفال أدى إلى مفاسد ومخالفات في الدين، والقواعد الشرعية تقضى بأن المباح- وهذا على فرض أنه مباح- إذا أدى إلى محرم، فإنه يحرم من باب سد الذرائع.
4/ لأنه من الغلو الذي في الله ورسوله عنه. ه/ لأنه من الإطراء الذي في عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
6/ لأن الرافضة هم الذين ابتدعوا ذلك، والرافضة هم أكثر الفرق الإسلامية ابتداعا، وهل يليق بأهل السنة الاقتداء بالرافضة في ابتداعهم.
7/ أن الاحتفال تقليد للنصارى في احتفالهم بعيسى والنصوص الشرعية تقتضي مخالفتهم وعدم التشبه هم.
8/ أن محبة الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تحقق بالاحتفال. بمولده وإنما تتحقق بالعمل بسنته وتقديم قوله على كل قول وعدم رد شيء من أحاديثه.
9/ أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه قد وسعهم دين الله من غير احتفال. بمولده، إذا فليسعنا ما وسع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه

الصفحة 1095