كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

ألا ترى ذلك لمار كيف نظر إلى أولاده بعد أن بعثه الله تعالى فوجدهم شيوخا بعد أن كانوا قبل تلك الإماتة صبيانا وفتيانا، وكان إذا حدثهم بحديث قالوا: هذا حديث مائة سنة كما ذكره أئمة التفسير (¬1)، فالظاهر أن قوله تعالى: {فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك} (¬2) دليل على كمال القدرة الباهرة التي لا يستبعد من مثلها صدور ما استبعده ذلك المار، فيكون ذلك من إرداف دليل بدليل، وتعقيب آلة بآية، ولكنه لما كان مرتبطا بالدليل الأول أعني قوله: {فأماته الله مائة عام ثم بعثه} من جهة أن كونه آية عظمى، وأمرا عجيبا، إنما كان باعتبار ملاحظته جاء معنونا بالفاء المفيدة لتقدير محذوف يتوقف عليه كمال حسنها وفصاحتها كما صرح بذاك أئمة النحو والبيان، فكأنه- جل جلاله- قال للمار: إذا عرفت أيها المستبعد لإحياء القرية كمال القدرة على ذلك. مما وقع عليك من الإماتة هذه المدة (¬3) المتطاولة،
¬_________
(¬1) ذكره القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن " (3/ 294 - 295). وابن كثير في تفسيره (1/ 688).
أخرج ابن كثير في تفسيره (1/ 687) عن علي بن أبي طالب أنه قال: هو عزير أي الذي مر بالقرية. وقال: رواه ابن جرير عن ناجية وابن أبي حاتم وابن جرير عن ابن عباس والحسن، وقتادة والسدي، وسليمان بن بريدة وهذا القول المشهور أ أن المار هو عزير أ والله أعلم.
(¬2) [البقرة: 259]
(¬3) قال الألوسى في تفسيره " روح المعاني " (3/ 22): {قال بل لبثت مائة عام} عطف على مقدر أي ما لبثت ذلك القدر- يوما أو بعض يوم- بل هذا المقدار {فانظر إلى طعامك وشرابك} قيل كان طعامه عنبا أو تينا وشرابه عصيرا أو لبنا {لم يتسنه} أي لم يتغير في هذه المدة المتطاولة واشتقاقه من- السنة- وفي لامها اختلاف فقيل هاء بدليل ما فت فلانا فهو مجزوم بسكون الهاء، وقيل: واو بدليل الجمع على سنوات فهو مجزوم بحذف الآخر والهاء، وقيل: واو بدليل الجمع على سنوات فهو مجزوم بحذف الآخر والهاء هاء سكت ثبتت في الوقف وفي الوصل لإجرائه مجراه، ويجوز أن يكون التسنه عبارة عن معنى السنين كما هو الأصل ويكون عدم التسنه كناية عن بقائه على حاله غضا طريا غير متكرج. وقيل أصله لم يتسمن ومنه الحمأ المسنون- أي الطين المتغير ومتى اجتمع ثلاث حروف متجانسة يقلب أحدهما حرف علة كما قالوا: في تظننت. تظنيت.
وانظر: التفسير الكبير للرازي (7/ 34).

الصفحة 1115