كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

{ولنجعلك آية للناس} (¬1) من تبعيد التأكيد، ولما تقرر من أن ترجيح (¬2) التأسيس
¬_________
(¬1) قال الرازي في تفسيره (7/ 35 - 36): أما قوله تعالى: {ولنجعلك آية للناس} فقد بيما أن المراد منه التشريف والتعظيم والوعد بالدرجة العالية في الدين والدنيا، وذلك لا يليق. كلن مات على الكفر الشك في قدرة الله تعالى.
فإن قيل: ما فائدة الواوي قوله {ولنجعلك} قلنا: قال الفراء- في معاني القرآن (1/ 173)
- دخلت الواو لأنه فعل بعدها مضمر، لأنه لو قال: {وانظر إلى حمارك لنجعلك آية} كان النظر إلى الحمار شرطا، وجعله آية جزاء وهذا المعنى غير مطلوب من هذا الكلام، أما المال قال: {ولنجعلك آية} كان المعنى، ولنجعلك آية فعلنا ما فعلنا من الإماتة والإحياء ومثله قوله تعالى: {وكذالك نصرف الآيات وليقولوا درست، والمعنى: وليقولوا درست صرفنا الآيات. .
وقال ابن جرير في " جامع البيان " (3/ ج 42/ 3 - 43):} ولنجعلك آية للناس {، أمتناك مائة عام ثم بعثناك، وإنما أدخلت الواو مع اللام التي في قوله:} ولنجعلك آية للناس {، وهو. بمعنى كي، لأن في دخولها في كي وأخواتها دلالة على أنها شرط لفعل بعدها،. بمعنى: ولنجعلك كذا وكذا فعلنا ذلك، ولو لم تكن قبل اللام أعني لام كي واو كانت اللام شرطا للفعل الذي قبلها، وكان يكون معناه: وانظر إلى حمارك، لنجعلك آية للناس وإنما عني بقوله} ولنجعلك آية " ولنجعله حجة على من جهل قدرتي وشك في عظمتي، وأنا القادر على فعل ما أشاء من إماتة وإحياء، وإفناء وإنشاء، وإنعام وإذلال، وإقتار وإغناء بيدي ذلك كله لا يملكه أحد دوني، ولا يقدر عليه غيري.
وكان بعض أهل التأويل يقول: كان آية للناس بأنه جاء بعد مائة عام إلى ولده وولد ولده شابا وهم شيوخ.
قال ابن جرير: والذي هو أولى بتأويل الآية من القول، أن يقال: إن الله تعالى ذكره. أخبر أنه جعل الذي وصف صفته في هذه الآية حجة للناس، فكان ذلك حجة على من عرفه من ولده وقومه ممن علم موته، وإحياء الله إياه بعد مماته، وعلى من بعث إليه منهم.
وقال ابن كثير في تفسيره (1/ 688): {ولنجعلك آية للناس}، أي: دليلا على المعاد.
(¬2) قال صاحب الكوكب المنير (1/ 297): " إذا دار اللفظ بين أن بكون مؤكدا أو مؤسسا، فإنه يحمل على (تأسيسه) نحو قوله تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان}، من أول سورة الرحمن إلى آخرها. فإن جعل تأكيدا، لزم تكرار التأكيد أكثر من ثلاث مرات. والعرب لا تزيد في التأكيد على ثلاث، فيحمل في كل محل على ما تقدم ذلك التكذيب- أي على ما تقدم قبل لفظ التكذيب، ويكون التكذيب ذكر باعتبار ما قبل ذلك اللفظ خاصة، فلا يتكرر منها لفظ، ولا يكون كيد البتة في السورة كلها فقوله تعالى: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان}، المراد آلاء خروج اللؤلؤ والمرجان خاصة. وكذلك الأمر في جميع السورة.
انظر: شرح تنقيح الفصول ص 113.

الصفحة 1119