كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

الحمد لله وحده، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد واله وبعد.
فإنه لا يزال يقع السؤال عن معنى قول الله سبحانه: {وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا} (¬1). ومحل السؤال من هم هؤلاء المجعولون فوق الذين كفروا؟
فاعلم أن سياق الآية الكريمة هكذا: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلى ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة} ومقتضى الظاهر أن هذه الضمائر كفها لعيسى- عليه السلام-، وأن المجعولين فوق الذين كفروا هم متبعوه.
ولكنه قد وقع الخلاف في المتبعين له من هم؟ هل النصارى أم المسلمون؟ فصرح العلامة في الكشاف (¬2) أنهم المسلمون. قال: لأنهم متبعوه في أصل الإسلام، وإن اختلفت الشرائع دون الذين كذبوه وكذبوا عليه من اليهود والنصارى. اهـ.
وتبعه على ذلك صاجا مدارك (¬3) التنزيل وحقائق التأويل فقال: هم المسلمون ثم ذكر كلام الزمخشري (¬4) بحروفه. وكذلك القاضي البيضاوي (¬5) إلا أنه ضم إلى المسلمين
¬_________
(¬1) [آل عمران: 55]
(¬2) (1/ 192)
(¬3) أي النسفي في مدارك التنزيل وحقائق التأويل (1/ 160).
(¬4) هو أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الخوارزمي الإمام الحنفي المعتزلي الملقب بجار الله، ولد في رجب سنة 467 هـ بزمخشر، قرية من قرى خوارزم، وقدم بغداد، ولقي الكبار وأخذ عنهم.
من مصنفاته: " الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ". " الفائق " في تفسير الحديث. " أساس البلاغة " في اللغة. " المفصل " في النحو رؤوس المسائل في الفقه.
مات سنة 538 هـ بجرجانية خوارزم بعد رجوعه من مكة. "
معجم المفسرين " لنويهض (2/ 666) " التفسير والمفسرون " للذهبي (1/ 203 - 205)
(¬5) هو ناصر الدين أبو الخير، عبد الله بن عمر بن محمد بن على البيضاوي الشافعي وهو من بلاد فارس، ولي القضاء بشيراز ومن أهم مصنفاته: - كتاب الطوالع في أصول الدين.
- وأنوار التنزيل وأسرار التأويل في التفسير [المعروف بـ (تفسر البيضاوي)].
مات سنة 683 هـ.
" التفسير والمفسرون " للذهبى (1/ 282).

الصفحة 1129