كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

بالغ الرب- سبحانه- في غيظ هؤلاء المنافقين، ومزيد بعضهم، وتكالبهم في العداوة للمؤمنين فقال: {وإذا خلوا (¬1) عضوا (¬2) عليكم (¬3) الأنامل من الغيظ} والبلوغ إلى لذا الحد لا يكون إلا لالتهاب صدورهم، وتسعر قلوبهم، واضطرام خواطرهم كما تراه يمن بلغ به الغيظ إلى عض أنامله، فإنه لا يكون ذلك إلا لأمر قد فدحه، وبلغ منه إلى لغاية التي ليس وراءها غاية، ثم علم الله المؤمنين. مما يقولونه لهم عند ذلك، وأمر رسوله - صلى الله عليه واله وسلم- أن يقول لهم: {موتوا (¬4) بغيظكم}. فانظر هذا الأدب
¬_________
(¬1) أي: والمنافقون لهم وجهان:
- وجه يخادعونكم له إذا لقوكم، فإذا لقوكم قالوا لكم: آمنا معكم مثل إيمانكم ونحن نحبكم ونودكم، لأنكم إخواننا في الدين وهم في الادعاءين كاذبون. -
وجه يظهرونه إدا خلوا، فهم إذا حلوا بأنفسهم، أو حلا بعضهم إلى لعض كشفوا حقيقة كفرهم مما أعلنوا أمام المؤمنين أنهم آمنوا به وكشفوا ما في قلوبهم من غيظ على المؤمنين وعلى الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(¬2) يشير سبحانه إلى مظاهر تعبيراتهم الحركية عن غيظهم من المؤمنين، أن يضعوا أناملهم في أفواههم ويعصوا عليها غيظا وحنقا.
(¬3) وتدل عبارة (عليكم) على أنمم يشددون عضهم على أناملهم، لأنهم يتوهمون أنهم يعضوها وأنتم فيها، رغبة في إيلامكم، وهم في الواقع يؤلمون أنفسهم، وهذا غاية ي التعبير عن شدة غيظهم، الذي غفلوا معه عر آلام أناملهم.
(¬4) قال القرطبي في " الجامع لأحكام القرآن " (18214 - 183): قيل عنه جوابان:
أحدهما- قال فيه الطبري في " جامع البيان " (3 ج 4/ 67) وكثير من المفسرين: خرج هذا الكلام مخرج الأمر، وهو دعاء الله نبيه محمدا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن يدعو عليهم لأن يهلكهم الله كمدا مما هم من الغيظ على المؤمنين، قبل أن يروا فيهم ما يتمنون لهم من العنت في دينهم والضلالة بعد هداهم فقال لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قل يا محمد. اهلكوا بغيظكم، إن الله عليم بذات الصدور.
الثاني: أن المعنى أضرهم أهم ما يؤملون، فإن الموت دون دلك، فعلى هدا المعنى زال معنى الدعاء وبقي معنى التفريغ والإغاظة.

الصفحة 1156