كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

المصدر في كل واحد منها، وهو خلاف الظاهر.
الطرف الرابع: أن الكلام على تقدير وصاكم في المناهي الباقية قد خالف قوله: أن لا تشركوا من حيث الحذف في البعض، والإتيان في البعض، والإخبارية في البعض، والإنشائية في البعض الآخر، وهو خلاف ما تقتضيه أساليب الكلام الآخذ بعضه بحجزة بعض، المتعانقة أطرافه.
ولو قدرنا في هذه المناهي تعلقها. بما تعلق به أن لا تشركوا كان التقدير: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن تشركوا لم يستقم الكلام فيها إلا بحذف (¬1) حرف النهي في جميعها، فيكون التقدير: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن تشركوا، وأن تقتلوا النفس وأن تقربوا مال اليتيم، وهذا وإن كان معنى صحيحا يتفق معه حرف المناهي في التعلق والحذف، لكنه هاهنا قد كثر الحذف، وطال ذيله، واتسع خرقه، وذلك غير مألوف في فصيح الكلام، ولا واقع من البلاغة في محزها. وقد أمكن تصحيح الكلام بدونه كما فعله العلامة الزمخشري (¬2) وغيره. وهذا ما ظهر في بادئ النظر والله أعلم.
¬_________
(¬1) قال محيى الدين الدرويش في "إعراب القرآن الكريم " (3/ 270): الفن الأول في هذه الآية- {ألا تشركوا به شيئا} - فن التوهيم وهو أد يأتي المتكلم بكلمة يوهم ما بعدها من الكلام أن المتكلم أراد تصحيفها وهو يريد عبر- ذلك، وذلك في قوله: {ألا تشركوا به شيئا} فإن ظاهر الكلام يدل على تحريم نفط الشرك، وملزومة خليل الشرك، وهذا محال، وخلاف المعنى المراد، والتأويل الذي يحل الإشكال هو أن في الوصايا المذكورة في سياق الآية وما بعدها ما حرم عليهم وما هم مأمورون به، فإن الشرك بالله، وقتل النفس المحرمة، وأكل مال اليتيم، مما حرم ظاهرا وباطنا، ووفاء الكيل والميزان بالقسط والعدل في القول، فضلا عن الفعل والوفاء بالعهد واتباع الصراط المستقيم من الأفعال المأمور
ها أمر وجوب، ولو جاء الكلام بغير "لا" لانبتر واحتل وفسد معناه، فإنه يصير المعنى حرم عليكم الشرك، والإحسان للوالدين، وهذا ضد المعنى المراد، ولهذا جاءت الزيادة التي أوهم ظاهرها فساد المعنى ليلجأ إلى التأويل الذي يصح به عطف بقية الوصايا على ما تقدم.
(¬2) في "الكشاف " (2/ 412) وهو قوله: لما وردت هذه الأوامر مع النواهي وتقدمهن جميعا فعل التحريم-

الصفحة 1188