كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

يقتضي أن النفع في تلك المواطن كلها، أعني: حال إتيان ملائكة الموت لقبض الأرواح، وعند إتيان الرب- سبحانه- أو آياته، وعند إتيان بعضها أي: الشمس مشروط بأحد أمرين: إما الإيمان من قبل، وإن لم يكسب فيه صاحبه خيرا قط، أو الكسب المجرد، إلا أنه ورد مقيدا بكونه واقعا في إيمان، وعلمه السؤال المذكور، لأنه إن كان الإيمان مأخوذا معه لم يتم المقابلة، وإن أخذ الكسب مجردا عنه لم يتم لعدم اعتباره منفردا ولا قال به أحد وإن أخذ الإيمان مجردا عن الأعمال فقد قال باعتباره جماعة، ودلت عليه أحاديث من قال: لا إله إلا الله، إلا أنه يشكل عليه آيات وأحاديث: قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬1) وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} (¬2)، وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} (¬3) فاشترط في كون السعي مشكورا ثلاث شرائط: إرادة الدار الآخرة بأن يعقد ها همه، ويتجافى عن دار الغرور، والسعي فيما كلفه من الفعل والترك، والإيمان [2أ] الصحيح الثابت كما في الكشاف (¬4)، فدلت على أن الإيمان المجرد
¬_________
(¬1) [هود: 15 - 16]
(¬2) [الشورى: 20]
(¬3) [الإسراء: 18 - 19]
(¬4) (2/ 415 - 416)

الصفحة 1204