كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

والثاني: وهو قوله: {أو كسبت في إيمانها خيرا} (¬1) لبيان حال النفس التي قد آمنت قبل مجيء الآية، ولم تعمل خيرا من قبل ذلك، فلا بد من ذلك الترديد لبيان حال النفسين، ولا يغني أحدهما عن الآخر قطعا، وهذا هو المطابق [5أ] لما ورد من الأحاديث الدالة على أن بعض الآيات المذكورة في الآية الكريمة هي طلوع الشمس (¬2) من مغربها، وأن عندها يغلق باب التوبة، فالنفس التي لم تؤمن من قبل مجيئها لم ينفعها إيمانها قطعا، لأن الإيمان توبة عن الشرك، وهي غير مقبولة، لأنه قد غلق بابها، والنفس التي قد كانت آمنت من قبل لمجيئها ولم تكسب في إيمانها خيرا لم ينفعها إيمانها أيضا، لعدم إمكان تدارك التفريط الحاصل منها بالتوبة، لأنه قد غلق بابها، على أن إيمانها الواقع من قبل مجيء الآية مع عدم كسب خير فيه أصلا كالإيمان عند من يقول: الإيمان قول وعمل، وعليه الجماهير من العلماء. وكذلك عند من جعل الأعمال شرطا في الإيمان، فهذا ما دلت عليه الآية الكريمة من غير تكلف، ولا تعسف، ولا تأويل، ولا إخراج للكلام عن ظاهره، ولا اعتبار تقدير لفص في الكلام مع الخلوص عما ذكر في الآية من الإشكالات على كلمة "أو".
فإن قلت: فقد ورد في الأحاديث ما يقضي بنفع الإيمان المجرد يوما ما، والآية الكريمة دلت على عدم نفعه مطلقا.
قلت: قوله تعالى في الآية الكريمة: {لا ينفع نفسا إيمانها} (¬3) يحتمل أن يراد به الإيمان الواقع عند مجيء بعض الآيات في حق النفس التي قد كانت آمنت من قبل ولم
¬_________
(¬1) [الأنعام: 158]
(¬2) (ومنها): ما أخرجه مسلم في صحيحه رقم (39/ 2901) عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطلع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علينا ونحن نتذاكر. فقال: " ما تذاكرون؟ " قالوا: نذكر الساعة. قال: "إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات " فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب. وآخر ذلك نار تخرج من اليمن، تطرد الناس إلى محشرهم.
(¬3) [الأنعام: 158]

الصفحة 1218