كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

تعمل خيرا قط، كما هو المراد أيضًا في حق النفس الكافرة، وهو الظاهر لقوله تعالى: {يوم يأتي بغض ءايت ربك لا ينفع نفسا إيمانها} (¬1). ولا شك أن ذلك الإيمان الواقع عند مجيء الآية غير نافع قطعا، لأنه واقع في وقت لم تقبل فيه توبة، وإنما النافع لها يوما ما هو الإيمان المتقدم، وهذا واضح عند من جعل الإيمان يزيد (¬2) وينقص، وكذلك عند من جعل الأعمال منه وهو المختار. قال تعالى: {وما كان له} [5ب] (¬3) .. ....
... عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك {(¬4) فأفادت هذه الآية أن طاعة الشيطان دليل على عدم الإيمان بالآخرة، وأن من أطاعه فهو في شأ من الآخرة، فطاعة الشيطان دليل على حصول الشك وعدم الإيمان، ولذا جاء عن رسول الله- صلى الله عليه واله وسلم-: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن " (¬5). ولعل وضع الظاهر موضع المضمر في
¬_________
(¬1) [الأنعام: 158]
(¬2) جماهير أهل السنة على أن الإيمان يزيد بالعمل الصالح والعلم النافع وزيادة المؤمن به وتظاهر الأدلة والنظر والتدبر والتفكير في مخلوقات الله، كما أنه ينقص بالمعاصي ونقص الطاعات وغيرها مما ذكر أنه يزبد بزيادته والأدلة على دلك من الكتاب والسنة كثيرة (منها): قوله تعالى: {وإذا تليت عليهم ءاياته زادتهم إيمانا} [الأنفال: 2]، وقوله تعالى: {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} الفتح:4].
قال! س: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن ا يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان "
أخرجه مسلم لما صحيحه رقم (78/ 49) من حديث أبي سعيد.
وانظر: مجموع فتاوى (3/ 355) (5/ 351)، شرح العقيدة الطحاوية (ص 320 - 323).
(¬3) [في المخطوط _أي الشيطان_]
(¬4) [سبأ: 21]
(¬5) أخرجه البخاري رقم (2475) ومسلم في صحيحه رقم (57) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. . قال ابن تيمية في " الإيمان " (ص 290 - 291): ومعلوم أن الراني إنما يزني لحب في نفسه لذلك الفعل، فلو قام بقلبه خشية الله التي تقهر الشهوة أو حب الله الذي يغلبها لم يزن ولهذا قال تعالى عن يوسف عليه السلام:} كذالك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين & [يوسف: 24] فمن كان مخلصا لله حق الإخلاص لم يزن، وإنما يزني لخلوه من ذلك، وهذا هو الإيمان الذي ينزع منه، لم ينزع منه نفس التصديق ولهذا قيل: هو مسلم وليس منافقا، لكن ليس كل من صدق قام بقلبه من الأحوال الإيمانية الواجبة مثل كمال محبة الله ورسوله ومثل خشية الله والإخلاص له في الأعمال والموكل عليه
... ". وقد ثبت أنه لا بكون الرجل مؤمنا حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وإنما المؤمن من لم يرتب، وجاهد. بماله ونفسه في سبيل الله، فمن لم تقم بقلبه الأحوال الواجبة في الإيمان، فهو الذي نفى عنه الرسول الإيمان وإن كان معه التصديق، والتصديق من الإيمان، ولا بد أن يكون مع التصديق شيء من حب الله وحشية الله، وإلا فالتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك ليس إيمانا البتة. .
وقيل: أي المراد نفى كمال الإيمان لا نفى اصل الإيمان، وهو من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفى كماله، وهو كثير في لغة العرب، وعلى هذا التأويل أكثر أهل العلم، جمعا بين هذا الحديث ونحوه من الأحاديث التي ظاهرها نفى الإيمان عن العصاة، ولن الأحاديث التي ظاهرها الصحة التي تثبت دخول الجنة للموحد وإن ارتكب المعاصي، فيدخلها رأسا إذا تاب أو غفر الله له، أو يدخلها بعد مجازاته ولا يخلد الموحد العاصي والنار على مذهب أهل السنة والجماعة، ولا يكفر.
بمعصيته

الصفحة 1219