كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

الشمس صالحة لتقدير المنازل، وأظهر في حساب الأيام والليالي من القمر.
والجواب أن منازل القمر المسافة التي يقطعها في كل يوم وليلة بحركته (¬1) الخاصة به، وجملتها ثمان وعشرون، وأساميها مشهورة معروفة، وهي كواكب نابتة معروفة عندهم، جعلوها علامات المنازل، فترى القمر كل ليلة نازلا بقرب أحدها. وقد قسموا دور الفلك، وهي اثنا عشر برجا على ثمانية وعشرين عدد أيام دور القمر فأصاب كل برج منزلتان وثلث، فسموا كل منزلة بالعلامات التي قد وقعت وقت التسمية بحذائه، كذا قال النيسابوري (¬2).
وقال أبو السعود (¬3): إن تخصيص القمر هذا التقدير لسرعة سيره، ومعاينة منازله، وتعلق أحكام الشريعة به، وكونه عمدة في تواريخ العرب. وكذا قال البيضاوي (¬4).
إذا تقرر هذا لاح لك وجه جعل مرجع الضمير للقمر فقط، وإن جزم السعد بذلك لهذه الأمور مع مرجحات من حيث اللفظ، وهو كون الضمير مفردا، وهو لا يكون مرجعه إلا مفردا، بحسب الظاهر، فإذا تقدمه متعدد، ولما لم يدل الدليل على رجوعه إلى أحدهما على التعين كان الأحق به الأقرب. ولا ريب أن الأقرب القمر. هذا على فرض عدم وجود مرجع لعوده إلى الأقرب من غير اللفظ، فكيف إذا كان موجودا كما نحن بصدده! وصلاحية الشمس لكونها مرجعا ممنوع؟ فإنه يأباه كون الضمير مذكرا وهي مؤنثة، وكونه بعيدا من اللفظ المتصل به الضمير، والقمر قريبا منة، وكونه قد قلم الدليل على كون المرجع هو القمر كما تقدم تحقيقه. نعم قد سبق السائل دامت إفادته إلى القول بصلاحية كون الشمس مرجعا للضمير بعض أئمة التفسير، فقال البيضاوي (¬5)
¬_________
(¬1) تقدم آنفا.
(¬2) في تفسيره " غرائب القرآن ورغائب الفرقان " (11/ 56).
(¬3) في تفسيره " إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم " (2/ 629).
(¬4) في تفسيره " أنوار التنزيل وأسرار التأويل " (3/ 86)
(¬5) في تفسيره (3/ 86).

الصفحة 1234