كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

إن الضمير في: وقدره منازل لكل واحد أي: قدر مسير كل واحد منهما منازل، أو قدره ذا منازل، ولكنه قال بعد هذا: أو للقمر، وتخصيصه بالذكر لسرعة سيره ومعاينة منازله، وإناطة أحكام الشرع به.
وكذلك حكى أبو السعود في تفسيره (¬1)، فقال بعد أن قدر رجوعه إلى القمر، وذكر المرجحات التي قدمناها: وقد جعل الضمير لكل منهما، ثم قال: ويكون مقام الشمس في كل منزلة منها ثلاثة عشر يوما، وهذه المنازل التي هي مواقع النجوم التي نسبت العرب إليها الأنواء (¬2) المستمطرة، وهي: الشرطان (¬3)، والبطين، ثم عددها إلى أخرها، ولكن مجرد حكاية كون كل واحد منها مرجعا لا يفيا بعد تلك المرجحات لفظا ومعنى، وأقل الأحوال أن يكون التخصيص للتقدير بالقمر فقط راجحا، ورجوعه إلى كل من الشمس والقمر مرجوحا. ومن أعظم ما يشد من عضد ذلك قوله تعالى في
¬_________
(¬1) (2/ 629)
(¬2) قال ابن الأثير قي "النهاية" (5/ 122): والأنواء: هي ثمان وعشرون منزلة، ينزل القمر كل ليلة في منزلة منها، ومنه قوله تعالى: {والقمر قدرنه منازل} ويسقط في الغرب كل ثلاث عشرة ليلة منزلة مع طلوع الفجر، وتطلع أخرى مقابلها ذلك الوقت في الشرق فتنقضي جميعها مع انقضاء السنة، وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر، وينسبونه إليها فيقولون: مطرنا بنوء كذا.
وإنما حمى نوعا: لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق، ينوء نوعا: أي فض وطلع. .
واخرج البخاري في صحيحه رقم (1038) ومسلم رقم (125/ 71) عن زيد الجهني انه قال: صلى لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الصبح بالحديبية، على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقبل على الناس فقال: " هل تدرون بماذا قال ربكم "؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأنها من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأنها من قال: بنوء كذا وكذا، فذلك ط فر بي مؤمن بالكواكب ".
(¬3) تقدم ذكرها آنفا.

الصفحة 1235