كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

سورة يس: {والقمر قدرنه منازل} (¬1).
البحث الخامس: قوله:- عافاه الله- وهلا حمل الضمير في وقدره على الجعل! أي: وقدر جعل الشم!! ضياء، والقمر نورا منازل، والجعل. بمعنى (¬2) الخلق، فيكون: وقدر هذا الخلق الذي خلقه ضياء ونورا منازل إلخ.
والجواب أنه لا يخفى أن كون الشمس مجعولة ضياء، والقمر مجعولا نورا ليس هو المنازل، إنما المنازل شيء يتعلق بحركة المجعول، لا بضياء الشمس، ولا بنور القمر وتدبر، هل يصح قدر جعل الشمس ضياء ومنازل، وقدر جعل القمر نورا منازل؟ فإن قلت: ومفعولاه الشمس والضياء، والقمر النور. وإن قلت: يقدر أي: قدر هذا جعل منازل، فهو وإن صح باعتبار ظاهر اللفظ فلا يصح باعتبار المعنى، لأن المقدر منازل ليس هو هذا الجعل، بل عرض من أعراض الجرم وهو الحركة كما سلف.
وضوء الشمس كيفية قائمة ها لذاتها بلا خلاف، كما حكى ذلك النيسابوري (¬3)، وأما نور القمر (¬4) فقد ذهب جمهور الحكماء إلى أنه مستفاد من .................
¬_________
(¬1) [يس: 39]
(¬2) انظر "روح المعاني " للألوسي (11/ 67).
(¬3) في تفسيره " غرائب القران ورغائب الفرقان " (11/ 56).
(¬4) إن هذا القمر جرم غير منير بذاته، ولكن يستمد نوره بالانعكاس من الشمس المضيئة بذاتها، ليعكسه بدوره إلى الأرض كما صرح القران، وعرفوا أنه تابع للأرض، يسايرها وبدور معها ومثلها من الغرب إلى الشرق، وإن له دورتين، دورة حول نفسه ودورة حول الأرض، ولكن حكمة الله سبحانه قضت أن يتم الدورتين في وقت واحد، وأن يبقى متجها بأحد وجهيه إلى الأرض فلا ترى وجهه الثاني ابدأ. وذلك أن الأرض تتم دورها حول نفسها في يوم كامل وتتم دورتها حول الشمس في سنة كاملة تدور فيها على نفسها 365 دورة.
أما القمر فيتم دورته حول نفسه وحول الأرض معا في مدة شهر قمري واحد أي أنه في المدة التي يدور بها حول الأرض لا يدور حولي نفسه إلا مرة واحدة يتجه ها دائما بوجه واحد نحو أمه الأرض لا يوليها ظهره أبدا.

الصفحة 1236