كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

فأجاب عليه المولى العلامة بدر الدين، العالم الرباني محمد بن على الشوكاني- عفى الله عنه- فقال:
الحمد لله وحده، وصلاته وسلامه على رسوله وآله. قلتم- كثر الله فوائدكم، ونفع بعلومكم-: فهلا أولوا قدرناه بمعنى سيرناه إلخ.
أقول: هذا صحيح مغن عن الحذف والتقدير في المفعول الأول، أو الثاني، أو نزع الخافض، لكنه لا يكون تأويل قدرناه بمعنى سيرناه إلا على التضمن الذي قد تمهدت قواعده، والتضمن هو ضرب من التأويل، لأنه إخراج للفعل عن معناه إلى معنى فعل آخر، فهو إن نفع عدم تقدير مفعول أول غير الضمير أو مفعول ثان، المنازل قد وقع به تقدير فعل آخر غير الفعل المذكور في نظم القرآن الكريم، وحاصله أن تقدير مفعول محذوف أخف مؤنة من تقدير فعل محذوف، فلعل تقدير المفسرين بحذف أحد المفعولين دون الفعل لهذا، ثم قد عرفتم أن القاعدة في التضمن (¬1) المصرح ها في علم العربية أنه يصح كون أحد المفعولين الأصلي أو البدلي حالا، والآخر أصلا. فإذا بني في الآية على التضمن كان المراد سيرنا القمر مقدرا منازل، أو قدرنا القمر مسيرا منازل، هذا الأمر لا بد منه. ولا يخفاكم أن الفعل الذي هو قدرنا باق في كلا التقديرين باعتبار بقاء اسم الفاعل، وإذا كان باقيا مع التضمن إما أصلا أو حالا عاد التقدير الذي وقع الفرار منه، لأن إتباع التقدير على القمر لا يصح، وحينئذ لم يأت التضمن بما يوجب عدم الاحتياج إلى تقدير المسير في الأول، أو لفظ ذا في الثاني باعتبار ما ذكرناه من جعل أحد [المفعولين] (¬2) أصلا، والأخر حالا، ثم على كل حال لم يقطع الخلوص من معرة
¬_________
(1): قيل: أن من الإيجاز نوعا يسمى التضمين، وهو حصول معنى في لفظ من غير ذكر له باسم أو صفة هي عبارة عنه.
وهو نوعان: أحدهما ما يفهم من البنية.
والثاني ما يفهم من معنى العبارة.
(¬1) انظر: "معترك الأقران في إعجاز القرآن" (1/ 230).
(¬2) في المخطوط (الفعلين) والصواب ما أثبتناه.

الصفحة 1244