كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

التأويل الذي فررتم منه إلى التضمن نوعا من التأويل كما عرفتم.
قلتم- دامت منكم الإفادة- بل المراد أن معرفة اليوم والليلة من حيث إن هذا اليوم والليلة لا يعرفان إلا بسير الشمس. أقول: لا نزاع في هذا؟ فإن الأمر كما ذكرتم، والذي في الجواب هو تصحيح لما وقع في كلام الزمخشري (¬1) من مدخلية القمر لمعرفة اليوم والليلة، لأن كلامه إذا حمل على أن المراد معرفة نفس اليوم والليلة فهو كما ذكرتم غير صحيح في الظاهر، وإن حمل على أن المراد معرفة اليوم والليلة من حيث إنها جزء من الوقت معين كاليوم الأول من الشهر، أو الثاني، أو الثالث، وكذلك الليلة كان كلام الزمخشري (1) صحيحا، فوقع في الجواب حمل الكلام على معنى يصح، وليس محل النزاع إلا مجرد مدخلية معرفة اليوم والليلة من مسير القمر.
وقد وقعت المدخلية من الحيثية التي ذكرناها، فلا لتم كل ما ذكرتم من أن محل النزاع هو معرفة اليوم والليلة من حيث إن هذا يوم، وهذه ليلة بم فإن هذا لا ينازع الزمخشري ولا غيره في عدم مدخليته في مسير القمر، ولكن من أين لنا أن الزمخشري أراد هذا، حتى يتجه عليه الاعتراض؟ ثم ما ذكرتم من أن ذلك المحرر في الجواب الذي استشكلتم هو كلام أبي السعود، ليس الأمر كذلك، بل هو كلام المجيب- لطف الله به- وكلام أبي السعود انقضى عند قوله أن يعتبر معها شيء غير ذلك. وما ذكرتم من نقل كلام الزمخشري (¬2) والمحشي على قوله تعالى: {الشمس والقمر بحسبان} (¬3) فهو مسلم لأن معرفة اليوم من حيث هو يوم، والليلة من حيث هي ليلة يعرفان بذلك.
قلتم- عافاكم الله- إن علماء الهيئة ذكروا أن القمر يقطع الاثني عشر البرج التي هي شهر قمري في تسعة وعشرين يوما، وثماني ساعات، وخمس وأربعين دقيقة إلى آخر
¬_________
(¬1) في "الكشاف" (3/ 115)
(¬2) في "الكشاف" (6/ 6)
(¬3) [الرحمن: 5]

الصفحة 1245