كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

وأهل التفسير (¬1) بنوا على الوقف عند قوله {كمثل آدم}، وقوله {خلقه من تراب} استئناف ولم يجوزا كونه صفة، لأنه نكرة والموصوف معرفة، ولا جوزوا كونه حالا، لأن الماضي لا يقع حالا إلا مع [قد] (¬2). هذا مفهوم كلامهم، فلذا جعلوه مستأنفا، فعلى كونه مستأنفا هل يصح أن نجعل تلك الجملة- أي خلقه من تراب- قيدا في المثل، ويكون مثل عيسى من تراب كما أن مثل ادم من تراب، والمثل (¬3) المراد به
¬_________
(¬1) كالرازي في تفسيره (8/ 74) قال: قوله تعالى: {خلقه من تراب}، ليس بصلة لآدم ولا صفة ولكنه حبر مستأنف على جهة التفسير بحال أدم. - روح المعاني "للألوسي" (3/ 186).
وقال صاحب " الدر المصون " (3/ 218): {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى}: جملة مستأنفة لا تعلق لها. مما قبلها تعاقا صناعيا بل معنويا (¬2) قاله الرجاج في معاني القرآن (1/ 428) وانظر مناقشة هذا القول في " الدر المصون " (3/ 219).
(¬3) والمثل عبارة عن قوله قي شيء يشبه قولا في شيء أخر بينهما مشابهة، ليبين أحدهما الأخر ويصوره نحو قولهم: الصيف ضيعت اللبن- مثل يضرب لمن يطلب شيئا قد فوته على نفسه- مجمع الأمثال (2/ 68) فإن هذا القول يشبه قوله: أهملت وقت الإمكان أمرك. وعلى هذا الوجه ما ضرب الله تعالى من الأمثال فقال- تعالى- {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر: 21]، وفي [العنكبوت: 43] {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} والمثل يقال على وجهين:
احدهما: بمعنى المثل: نحو: شبه، وشبه، ونقض نقض. قال بعضهم: وقد يعبر هما عن وصف الشيء نحو قوله: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} [الرعد: 35].
الثاني: عبارة عن المشابهة لغيره في معنى من المعاني أي معنى كان، وهو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة، وذلك أن الند يقال فيما يشارك في الجوهر فقط، والشبه يقال فيما يشاركه في الكمية فقط، والمساوي بقال فيما يشارك في القدر والمساحة فقط والمثل عام في جميع ذلك ".
انظر: " الدر المصون " (1/ 156) " مفردات ألفاظ القرآن " للأصفهاني (ص 759)

الصفحة 1268