كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

مطابق لا نحتاج فيه إلى التكليفات. وعلى هذا فالمراد بالإنسان (¬1) ولد آدم، ومرجع الضمير لفظ الإنسان، وليس في ذلك إشكال، إنما الإشكال على قول من قال: إن المراد بالإنسان ادم، فإنه إذا جعل المرجع لفظ الإنسان باعتبار شموله لآدم ولذريته كما قاله أهل القول الأول، فلا ريب أنه يكون في الكلام استخدام، لأنه قد أريد بلفظ الإنسان آدم وبضميره ما هو أعم منه، أو أريد بلفظ الإنسان ادم، وبضميره ذريته التي يصدق عليها لفظ الإنسان. والذي أوجب تفسير الإنسان بآدم كونه صرح سبحانه بأنه خلقه من طين، وهذا الوصف لا ينطبق إلا عليه، كما أن الخلق من نطفة لا تنطبق إلا على ذريته، وفي هذه الآية. وقد تخلص القائلون بأن المراد بالإنسان ذرية ادم عن التصريح بكونه مخلوقا من طين بأحد الوجهين الفذين قدمنا ذكرهما، فقائل يقول: إن لفظ الطين اسم لآدم، وقائل يقول بالوجه المذكور بعده.
وعندي أنه لو قيل: المراد بالإنسان المذكور بالآية هو النوع (¬2) الشامل لآدم وغيره ولا شك أنه مخلوق من طين، أما ادم فظاهر، وأما ذريته فلأن المخلوق من المخلوق من الشيء مخلوق من ذلك الشيء، فكل إنسان مخلوق من الطين، لأن فيه جزءا من أبيه الأول المخلوق من الطين حقيقة، ويكون الضمير راجعا إلى الإنسان هذا المعنى، أي: ثم جعلنا هذا النوع نطفة، ولا شك أن هذه خاصة للنوع، ولا يلزم في خاصة النوع أن
¬_________
(¬1) انظر: "روح المعاني" للألوسي (18/ 13)
(¬2) قال ابن جرير في "جامع البيان" (10/ ج 18/ 8) وأولى القولين بالصواب قول من قال: معناه: ولقد خلقنا ابن آدم من سلالة آدم وهي صفة مائه وادم هو الطين لأنه خلق منه.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالآية، لدلالة قوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}، على أن ذلك كذلك، لأنه معلوم أنه لم يصر في قرار مكين، إلا بعد خلقه في صلب الفحل، ومر بعد نخوله من صلبه صار في قرار مكين، والعرب تسمى ولد الرجل ونطفته: سليله وسلالته، لأنهما مسلولان منه

الصفحة 1271