كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

توجد في كل فرد من أفراده، فلا يرد النقض بأن ادم له، يجعل نطفة، وهكذا لا يرد عيسى لذلك.
هذا ما ظهر في تفسير مرجع الضمير باعتبار ما أراده السائل، على أن عيسى وإن كان من إحدى الجهتين لا تصدق عليه أنه مخلوق من تراب، ولا من نطفة، ولكنه من الجهة الأخرى وهى جهة الأم يصدق عليه أنه مخلوق من تراب، ومن نطفة، لأنه قد يكون في بطن أمه، وهي مخلوقة من تراب باعتبار أبيها ادم؛ إذ المخلوق من المخلوق من الشيء مخلوق من ذلك الشيء كما قدمنا، وكذلك مخلوقة من نطفة، والأمر ظاهر، وعيسى لما تكون فيما هو مخلوق من تراب، وفيما هو مخلوق من نطفة، صح أن يدخل تحت لفظ الإنسان المذكور في الآية ويتصف بصفاته المذكورة.
إذا تقرر لك هذا علمت أن قوله في الآية الأخرى التي ذكرها السائل- كثر الله فوائده- خلقه من (¬1) تراب إن كان وصفا لآدم- عليه السلام- فالأمر ظاهر، وإن كان وصفا لعيسى- عليه السلام- فبالاعتبار الذي أسلفنا.
قال الرازي (¬2): أجمع المفسرون على أن هذه الآية نزلت عند حضور وفد نجران على الرسول- عليه الصلاة والسلام- وكان مما أوردوه من شبههم أن قالوا: يا محمد، لما سلمت أنه لا أب له من البشر وجب أن يكون أبوه هو الله تعالى، فقال: إن آدم ليس له أب ولا أم، ولم يلزم أن يكون ابنا لله، فكذا القول في عيسى.
هذا حاصل الكلام. قال: وأيضا إذا جاز أن يخلق الله ادم (3) من التراب فلما لا يجوز
¬_________
(1):. (2):. (3): قال ابن تيمية في " الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح " (4/ 54 - 55). {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
أن هذا كلام حق، فإنه سبحانه خلق هذا النوع البشري على الأقسام الممكنة ليبين عموم (¬1) قوله تعالى: (خلقه من تراب)
(¬2) في تفسيره (8/ 74) وقد تقدم تخريجه

الصفحة 1272