كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 3)

أن يخلق عيسى من دم مريم، بل هذا أقرب إلى العقل، فإن تولد الحيوان من الدم الذي يجتمع في رحم الأم أقرب من تولدة من التراب اليابس .... انتهى
واعلم أن الكلام على ما سأل عنه السائل- كثر الله فوائده- إذا رمنا استقصاء ما يتعلق به طال البحث فلنقتصر على هذا ..... انتهى.
¬_________
= قدرته، فخلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق زوجته من ذكر بلا أنثى كما قال تعالى: {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء:1] وخلق المسيح من أنثى بلا ذكر، وخلق سائر الخلق من ذكر وأنثى، وكان خلق ادم وحواء أعجب من خلق المسيح فإن حواء خلقت من ضلع وهذا أعجب من خلق المسيح في بطن مريم وخلق آدم أعجب من هذا وهذا، وهو أصل حواء.
فلهذا شبه الله بخلق آدم الذي هو أعجب من خلق المسيح فإذا كان سبحانه قادرا أن يخلقه من تراب والتراب ليس من جنس بدن الإنسان، أفلا يقدر أن يخلقه من امرأة هي من جنس بدن الإنسان؟ وهو سبحانه خلق آدم من تراب، ثم قال له كن فيكون، لما نفخ فيه من روحه، فكذلك المسيح نفخ فيه من روحه وقال له: كن فيكون ولم يكن آدم. مما نفخ من روحه لا هوتا وناسوتا بل كله ناسوت، فكذلك المسيح كله ناسوت والله سبحانه ذكر هذه الآية ضمن الآيات التي أنزلها في شأن النصارى لما قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصارى نجران وناظروه في المسيح.
وأنزل سبحانه عقب هذه الآية: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 61 - 64].

الصفحة 1273