كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 4)

صحيح متلقى بالقبول. انتهى.
فعلى هذا قد وقع الإجماع على حجة ما في الصحيحين، فهما من الصحيح المجمع عليه، مع أنه لا طريق إلى التصحيح إلا مجرد اتصال السند، وثقة الرواة.
قال السائل كثر الله فوائده: وفيه إشكال يعني فيما قدم ذكره من أن بعض الحفاظ يصحح الحديث بمجرد كون رجاله ثقات قال: لأن رسم الصحيح مشتمل على خمسة أمور: عدالة ناقليه، وتمام ضبطهم، واتصال سندهم، وأن لا يكون الحديث شاذًا، ولا له علة قادحة وقد وقع الخلاف في وصف العلة بكونها قادحة، والظاهر أنه لا بد منها وتكلموا على العلل القادحة، وعلى أن العلل لا يدركها إلا الأفراد من الحفاظ الجامعين للطرق، وحفظ المتون، وعلى أن علم العلل من أغمض أنواع علوم الحديث (¬1) وأدقها وأشرفها، ولا يقوم به إلا من رزقه الله فهمًا ثابتًا، وحفظًا واسعًا، ومعرفة تامة بمراتب الرواة، وملكة قوية بالأسانيد والمتون، وأنه قد تقصر عبارة المعلل عن إقامة الحجة (¬2)
¬_________
(¬1) قال السيوطي في تدريب الراوي (ص 224): (وهذا النوع من أجلها) أي أجل أنواع علوم الحديث وأشرفها وأدقها، وإنما (يتمكن من أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب) ولهذا لم يتكلم فيه إلا القليل كابن المديني، وأحمد، والبخاري، ويعقوب بن شيبة وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني.
وقال الحاكم في "معرفة علوم الحديث (112): وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، والحجة في التعليل عندنا بالحفظ والفهم والمعرفة لا غير.
(¬2) قال ابن مهدي: في معرفة علم الحديث إلهام، لو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا لم يكن له حجة، وكم من شخص لا يهتدي لذلك وقيل له أيضًا: إنك تقول للشيء: هذا صحيح وهذا لم يثبت فعمن تقول ذلك؟ فقال: أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك، فقال: هذا جيد وهذا بهرج، أكنت تسأل عن من ذلك أو نسلم له الأمر؟ قال: بل أسلم له الأمر قال: فهذا كذلك، لطول المجالسة والمناظرة، والخبرة.
وسئل أبو زرعة: ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ فقال: الحجة أن تسألني عن حديث له علة. فأذكر علته ثم تقصد ابن وارة يعني محمد بن مسلم، وتسأله عنه؛ فيذكر علته، ثم تقصد أبا حاتم فيعلله، ثم تميز كلامنا على ذلك الحديث، فإن وجدت بيننا خلافًا؛ فاعلم أن كلا منا تكلم على مراده، وإن وجدت الكلمة متفقة؛ فاعلم حقيقة هذا العلم، ففعل الرجل ذلك فاتفقت كلمتهم، فقال أشهد أن هذا العلم إلهام. وانظر: معرفة علوم الحديث (ص 113).

الصفحة 1617