كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 4)

الصحابي رجال ثقات من الأصل، فضلًا عن اتصال وضبط وسلامة من شذوذ وعلة، وهذا كثير في صحيح البخاري كقوله: ويروى عن ابن عباس، وجرهد، ومحمد بن جحش عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الفخذ عورة" فكيف يستنكر على حافظ من حفاظ الحديث الحكم بصحة حديث باتصال سنده، وثقة رجاله مع أنه قد تقدمه من يقول بصحة حديث بلا إسناد كما ذكرناه في بعض معلقات البخاري! بل صرح جماعة من المحدثين أن المرسل إذا أرسله آخر من طريق أخرى كان من جملة الصحيح، مع كون في سنده من لا يعرف حاله، ولا صفته. وقد روى ذلك ابن الصلاح عن الشافعي، واختاره، وتابعه العراقي واستدرك عليه استدراكًا يرجع إلى تصحيح العبارة لا إلى المخالفة وما ذكره السائل - كثر الله فوائده - في تعظيم علم العلل ناقلًا لذلك عن الحافظ ابن حجر في شرح النخبة (¬1) فأقول: الحافظ ابن حجر قال قبل هذا الكلام الذي نقله السائل - عافاه الله - في قسم المعلل في النخبة وشرحها ما لفظه: ثم الوهم وهو القسم السادس، وإنما أفصح به لطول الفصل إن اطلع عليه، أي على الوهم بالقرائن الدالة على وهم راويه من وصل مرسل، أو منقطع، أو إدخال حديث في حديث، أو نحو ذلك من الأشياء القادحة، وتحصل معرفة ذلك بكثرة التتبع، وجمع الطرق، وهذا هو المعلل، وهو من [أغمض] (¬2) أنواع علوم الحديث ثم ذكر ما ذكره السائل - عافاه الله - ولا يخفى عليك أن ما ذكره من وصل المرسل والمنقطع وما بعده هو لا يقع من الثقة إلا نادرًا، والأصل عدم هذا النادر.
فإذا وجدنا الحديث قد اتصل إسناده برجال ثقات كان الواجب عليها حمل الاتصال على الوجه الذي أخبر به الثقة، [10] وصدور الوهم منه مع كونه ثقة خلاف الأصل والظاهر، لأن تلك العلل بأسرها أعم من أن تكون قادحة أو غير قادحة هي صادرة عن مجرد الوهم من غير تعهد، والثقة لا يهم إلا نادرًا، والنادر لا اعتبار به كما سلف.
¬_________
(¬1) (ص 89).
(¬2) في المخطوط "أعظم" وما أثبتناه من النخبة.

الصفحة 1622