كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 4)

لا يقال: إن الوهم قد يكثر لأنا نقول المفروض أنه ثقة أي حافظ عدل، ومن كان كثير الوهم ليس بثقة، فإن قيل: قد دخل الاحتمال في حديث الثقة بتجويز وقوع الوهم منه في النادر فلا يؤخذ بحديثه إلا بعد العلم بأنه لا وهم فيه. قلنا: هذا يسري إلى كل حديث صحيح، سواء كان في الصحيحين أو في غيرهما، لأن هذا التجويز لا يرتفع لمجرد قول بعض الحفاظ أنه لا وهم من رجال إسناده لين غير هذا الحافظ، ممن هو أحفظ منه أو أكثر ممارسة لرجال هذا الحديث بخصوصه قد يطلع على ما لا يطلع عليه ذلك الحافظ، لا سيما مع ما تقدم من كون هذا النوع في غاية الغموض والدقة. وحينئذ لا يجوز الجزم بصحة حديث حتى يتفق الحفاظ على أنه لا وهم فيه بوجه من الوجوه، وهم لم يتفقوا على ما في الصحيحين فضلًا عن غيرهما كما اشتهر من كلام أبي زرعة المعاصر للبخاري ومسلم، وكما اشتهر من كلام ابن حزم أن في الصحيحين حديثين موضوعين، وكما قدمنا نقله من أن في رجالهما من هو ضعيف.
وقد تعرض بعض الحفاظ لتعداد الضعفاء فيهما فبلغوا في البخاري (¬1) عددًا،. . . .
¬_________
(¬1) "يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتضٍ لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما هذا إذا خرج له في الأصول، فأما إن خرج له في المتابعات والشواهد والتعاليق فهذا يتفاوت درجات من أخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم وحينئذ إذا وجدنا لغيره في أحد منهم طعنا فذلك الطعن مقابل تعديل هذا الإمام فلا يقبل إلا مبين السبب مفسرًا بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه مطلقًا أو في ضبطه لخبر بعينه؛ لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة عنها ما يقدح ومنها ما لا يقدح، وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرج عنه في الصحيح هذا جاز القنطرة؛ يعني بذلك أنه لا يلتفت إلى ما قيل فيه، قال الشيخ أبو الفتح القشيري في مختصره وهكذا نعتقد، وبه نقول، ولا نخرج عنه إلا بحجة ظاهرة وبيان شاف يزيد في غلبة الظن على المعنى الذي قدمناه من اتفاق الناس بعد الشيخين على تسمية كتابيهما بالصحيحين، ومن لوازم ذلك تعديل رواتهما.
قلت ابن حجر - فلا يقبل الطعن في أحد منهم إلا بقادح واضح.
وقد سرد ابن حجر أسماء من طعن فيه من رجال البخاري مع حكاية ذلك الطعن والتنقيب عن سببه والقيام بجوابه والتنبيه عن وجه رده على النعت. . . ".
انظر ذلك كله في هدي الساري مقدمة فتح الباري (384 - وما بعدها).

الصفحة 1623