كتاب الفتح الرباني من فتاوى الإمام الشوكاني (اسم الجزء: 4)

استدرك الدارقطني، وهو الحافظ الذي لم يكن له نظير على الشيخين في مواضع كثيرة حكى ذلك الشارحون لها، وبهذا يتقرر أن نوع المعلل الذي منشؤه الوهم لا يرتفع عن الحديث الذي قد صححه إمام من أئمة الحديث، أو إمامان، أو ثلاثة أو أكثر، لجواز أن يكون فيه علة لا يعرفها إلا من هو أحفظ منهم، وأتقن. ولا يمتنع أن يبعث الله في زمن متأخر من هو أحفظ من أهل الأزمنة المتقدمة، فإن ابن خزيمة المعروف بإمام الأئمة قد شهد له [11] جماعة بأنه أحفظ ممن تقدمه، وكذلك الدارقطني مع تأخر زمنه قد شهد له جماعة بأنه أحفظ ممن تقدمه، وكذلك ابن عساكر، وابن السمعاني، والسلفي قد شهد لهم جماعة بأنهم أحفظ ممن تقدمهم، مع أنهم من أهل القرن السادس. فليس تقدم العصر دليلًا على أن أهله أحفظ ممن بعده وأعرف بالعلل. ولا يزال هذا التجويز كائنًا إلى انقطاع الدنيا وحضور القيامة، فلا يتم تصحيح حديث حتى ينقرض العالم لجواز أن يوجد الله من هو أرفع طبقة ممن تقدمه فيطلع على علل لم يعرفها من هو دونه ممن صححه.
وإذا تقرر هذا فلا بد من المصير إلى أحد أمرين: إما الرجوع إلى أنه لا اعتبار بما يندر من وهم الثقات، وأنه يسوغ التصحيح بوجود مستنده، وهو اتصال السند، وثقة رجاله، مع اعتبار الأصل والظاهر القاضيين بعدم وجود شذوذ وعلة قادحة، أو الرجوع إلى أمر آخر، وهو أن الإمام الذي جزم بصحة الحديث مستندًا إلى كون رجاله ثقات وسنده متصل يبعد كل البعد أن يطلق التصحيح مع وجود علة قادحة أو شذوذ، وأنه لا يطلق ذلك إلا بعد البحث الكامل. قال السائل - كثر الله فوائده: فإذا وقف الإنسان

الصفحة 1625